قوله تعالى ﴿ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لَا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (٥٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان التقدير : كذلك كان من إلزامهم الذل والصغار، عطف عليه قوله :﴿أم﴾ أي ليس ﴿لهم نصيب﴾ أي واحد من الأنصباء ﴿من الملك فإذاً﴾ أي فيتسبب عن ذلك أنهم إذا كان لهم أدنى نصيب منه ﴿لا يؤتون الناس﴾ أي الذين آمنوا ﴿نقيراً﴾ أي شيئاً من الدنيا ولا الآخرة من هدى ولا من غيره، والنقير : النقرة في ظهر النواة، قيل : غاية في القلة ؛ فهو كناية عن العدم، فهو بيان لأنهم لإفراط بخلهم لا يصلحون إلا لما هم فيه من الذل فكيف بدرجة الملك لأن الملك والبخل لا يجتمعان أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٦٧ ـ ٢٦٨﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى وصف اليهود في الآية المتقدمة بالجهل الشديد، وهو اعتقادهم أن عبادة الأوثان أفضل من عبادة الله تعالى، ووصفهم في هذه الآية بالبخل والحسد، فالبخل هو أن لا يدفع لأحد شيئاً مما آتاه الله من النعمة، والحسد هو أن يتمنى أن لا يعطي الله غيره شيئاً من النعم، فالبخل والحسد يشتركان في أن صاحبه يريد منع النعمة من الغير، فأما البخيل فيمنع نعمة نفسه عن الغير، وأما الحاسد فيريد أن يمنع نعمة الله من عبادة، وإنما قدم تلك الآية على هذه الآية لأن النفس الإنسانية لها قوتان : القوة العالمة والقوة العاملة، فكمال القوة العالمة العلم، ونقصانها الجهل، وكمال القوة العاملة : الأخلاق الحميدة، ونقصانها الأخلاق الذميمة، وأشد الأخلاق الذميمة نقصانا البخل والحسد، لأنهما منشآن لعود المضار إلى عباد الله.
إذا عرفت هذا فنقول : إنما قدم وصفهم بالجهل على وصفهم بالبخل والحسد لوجهين :
الأول : أن القوة النظرية مقدمة على القوة العملية في الشرف والرتبة وأصل لها، فكان شرح حالها يجب أن يكون مقدما على شرح حال القوة العملية.


الصفحة التالية
Icon