قوله تعالى :﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (٢٧٣)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان غالب هذه الأحكام التي ذكرت في الإنفاق من أجل المحاويج وكان ما مضى شاملاً للمؤمن وغيره بيّن أن محط القصد في الحثّ عليها المؤمن قال سبحانه وتعالى :﴿للفقراء﴾ أي هذه الأحكام لهم ﴿الذين أحصروا﴾ أي منعوا عن التكسب،
وأشار بقوله :﴿في سبيل الله﴾ أي الذي له الجلال والإكرام إلى أن المقعد لهم عن ذلك الاشتغال بإقامة الدين بالجهاد وغيره ﴿لا يستطيعون ضرباً في الأرض﴾ بالتجارة لأجل ذلك وأشار إلى شدة رضاهم عن الله سبحانه وتعالى بعدم شكايتهم فقال :﴿يحسبهم الجاهل﴾ أي الذي ليس عنده فطنة الخلص ﴿أغنياء من﴾ أجل ﴿التعفف﴾ عن المسألة والتلويح بها قناعة بما أعطاهم الله سبحانه وتعالى مولاهم ورضي عنه وشرف نفس،
والتعفف تكلف العفة وهي كف ما ينبسط للشهوة من الآدمي إلا بحقه ووجهه - قاله الحرالي.
ولما ذكر خفاءهم على الغبي ذكر جلاءهم عند المتوسم فقال :﴿تعرفهم﴾ أي يا أبصر الموقنين وأفطنهم أنت ومن رسخت قدمه في متابعتك ﴿بسيماهم﴾ قال الحرالي : وهي صيغة مبالغة من السمة والوسم وهي العلامة الخفية التي تتراءى للمستبصر - انتهى.
وتلك العلامة والله سبحانه وتعالى أعلم هي السكينة والوقار وضعف الصوت ورثاثة الحال مع علو الهمة والبراءة من الشماخة والكبر والبطر والخيلاء ونحو ذلك ﴿لا يسئلون﴾ لطموح أبصار بصائرهم عن الخلق إلى الخالق ﴿الناس﴾ من ملك ولا غيره ﴿إلحافاً﴾ سؤال إلزام،
أخذاً من اللحاف الذي يتغطى به للزومه لما يغطيه،
ومنه لاحفه أي لازمه.


الصفحة التالية
Icon