قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (٣٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أخبر سبحانه عن أحوال الكفار في الأعمال البدنية، وكان غلبهم مع كثرتهم وقوتهم مستبعداً، أخبر بما يقربه مبيناً لأعمالهم المالية فقال :﴿إن الذين كفروا﴾ أي مع كثرتهم لأنهم ستروا مرائي عقولهم التي هي الإنسان بالحقيقة فنقصوا بذلك نقصاً لا يدرك كنهه ﴿ينفقون أموالهم﴾ أي يعزمون على إنفاقها فيما يأتي ﴿ليصدوا﴾ أي بزعمهم أنفسهم وغيرهم ﴿عن سبيل الله﴾ أي عن سلوك طريق - الذي لا يدني عظمته عظمة مع اتساعه ووضوحه وسهولته ﴿فسينفقونها﴾ أي بحكم قاهر لهم لا يقدرون على الانفكاك عنه ﴿ثم تكون﴾ أي بعد إنفاقها بمدة، وعبر بعبارة ظاهرة في مضرتها فقال :﴿عليهم﴾ وأبلغ في ذلك بأن أوقع عليها المصدر فقال :﴿حسرة﴾ أي لضياعها وعدم تأثيرها ﴿ثم يغلبون﴾ أي كما اتفق لهم في بدر سواء، فإنهم أنفقوا مع الكثرة والقوة ولم يغن عنهم شيء من ذلك شيئاً مما أراد الله بهم، بل كان وبالاً عليهم، فإنه كان سبباً لجرأتهم حتى أقدموا نظراً إلى الحاضر وقصوراً عن الغائب كالبهائم فهلكوا، وكان ذلك قوة للمؤمنين فما كان في الحقيقة إلا لهم، وهذا الكلام منطبق على ما كان سبب نزوله الآية وعلى كل ما شاكله، وذلك أنهم لما قهروا في بدر قال لهم أبو سفيان : إنه ينبغي أن تنفقوا مال تلك العير - يعني التي كانت معه - ونحث على حرب محمد، فأجابوا وأنفقوه على غزوة أحد فحصل لهم فيها بعض ظفر ثم تعقبه الحسرة والمغلوبية في بدر الموعد وكل ما بعدها ؛ ثم أظهر وصفهم الذي استحقوا به ذلك تعليقاً للحكم به وتعميماً منذراً لهم بما هو أشد من ذلك فقال :﴿والذين كفروا﴾ أي حكم بدوام كفرهم عامة سواء زادوا على الكفر فعل ما تقدم أم لا ﴿إلى جهنم﴾ أي لا إلى غيرها.