قوله تعالى ﴿ وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ (٤١) فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ (٤٢) وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ (٤٣) لَا بَارِدٍ وَلَا كَرِيمٍ (٤٤) إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ (٤٥) وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنْثِ الْعَظِيمِ (٤٦) وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (٤٧) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (٤٨) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما أتم وصف ما فيه الصنفان المحمودان، وبه تمت أقسام أصحاب الميمنة الأربعة الذين هم أصحاب القلب واليمين، أتبعه أضدادهم فقال :﴿وأصحاب الشمال﴾ أي الجهة التي تتشاءم العرب بها وعبر بها عن الشيء الأخس والحظ الأنقص، والظاهر أنهم أدنى أصحاب المشأمة كما كان أصحاب اليمين دون السابقين من أصحاب الميمنة، ثم عظم ذمهم ومصابهم فقال :﴿ما أصحاب الشمال﴾ أي إنهم بحال من الشؤم هو جدير بأن يسأل عنه.
ولما ذمهم وعابهم، ذكر عذابهم ليعلم أن القسم الأشد منهم في الشؤم أشد عذاباً فقال :﴿في سموم﴾ أي ظرفهم المحيط بهم لفح من لفح النار شديد يتخلل المسام ﴿وحميم﴾ أي ماء حار بالغ في الحرارة إلى حد يذيب اللحم.
ولما كان للتهكم في القلب من شديد الوقد ما يجل عن الوصف والحد قال :﴿وظل﴾ ثم أتبعه ما صرح بأنه تهكم فقال :﴿من يحموم﴾ أي دخان أسود كالحمم أي الفحم شديد السواد بما أفهمته الزيادة وشبه صيغة المبالغة : ولما كان المعهود من الظل البرد والإراحة، نفى ذلك عنه فقال :﴿لا بارد﴾ ليروح النفس ﴿ولا كريم﴾ ليؤنس به ويلجأ إليه ويرجى خيره ويعول في حال عليه بأن يفعل ما يفعله الواسع الخلق الصفوح من الإكرام، بل هو مهين، سماه ظلاًّ لترتاح النفس إليه ثم نفى عنه نفع الظل وبركته لينضم حرقان : اليأس بعد الرجاء إلى إخراق اليحموم فتصير الغصة غصتين.
ولما أنتج هذا أنه على خلق اللئيم فهو موضع الحرارة والضيق والخسة والشدة، علله بقوله :﴿إنهم﴾ أكده وإن كان فيهم أهل الضر لاجتماعهم في الاسترواح إلى منابذة الدين باتباع الشهوات، ولأن ما مضى لهم بالنسبة إلى هذا العذاب حال ناعم، وعبر بالكون دلالة على العراقة في ذلك ولو بتهيئهم له جبلة وطبعاً فقال :﴿كانوا﴾ أي في الدنيا.