قوله تعالى :﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (١٨٤)﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت هذه السورة متضمنة لكثير من الدقائق التي أخفوها من كتابهم الذي جعلوه قراطيس، يبدونها ويخفون كثيراً، وفي هذه الآية بخصوصها من ذلك ما يقتضي تصديقه ﷺ وكان سبحانه عالماً بأن أكثرهم يعاندون سبب عن ذلك أن سلاه في تكذيب المكذبين منهم بقوله :﴿فإن كذبوك﴾ فكان كأنه قيل : هذا الذي أعلمتك به يوجب تصديقك، فإن لم يفعلوا بل كذبوا ﴿فقد﴾ ولما كان السياق لإثبات مبالغتهم في الغلظة والجفاء والكفر وعدم الوفاء وكانت السورة سورة التوحيد، والرسل متفقون عليه، وقد أتى كل منهم فيه بأنهى البيان وأزال كل لبس أسقط تاء التأنيث لأنها ربما دلت على نوع ضعف فقال :﴿كذب رسل﴾ ولما كانت تسلية الإنسان بمن قاربه في الزمان أشد أثبث الجار فقال ﴿من قبلك﴾ أي فلك فيهم مسلاة وبهم أسوة ﴿جآءو بالبينات﴾ أي من المعجزات ﴿والزبر﴾ أي من الصحف المضمنة للمواعظ والحكم الزواجر والرقائق التي يزبر العالم بها عن المساوي ﴿والكتاب المنير﴾ أي الجامع للأحكام وغيرها.
الموضح لأنه الصراط المستقيم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ١٩١﴾
فصل
قال الفخر :
في قوله :﴿فَإِن كَذَّبُوكَ﴾ وجوه :
أحدها : فإن كذبوك في قولك أن الأنبياء المتقدمين جاؤا إلى هؤلاء اليهود بالقربان الذي تأكله النار فكذبوهم وقتلوهم، فقد كذب رسل من قبلك : نوح وهود وصالح وابراهيم وشعيب وغيرهم.
والثاني : أن المراد : فإن كذبوك في أصل النبوة والشريعة فقد كذب رسل من قبلك، ولعل هذا الوجه أوجه، لأنه تعالى لم يخصص، ولأن تكذيبهم في أصل النبوة أعظم، ولأنه يدخل تحته التكذيب في ذلك الحجاج.