قوله تعالى ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١١) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كانت معرفة ما لأحد الجزءين باعثة على السؤال عما للحزب الآخر، وكانت إجابة السؤال عن ذلك من أتم الحكمة، استأنف تعالى قوله مؤكداً لأجل إنكار الكفرة :﴿إن الذين آمنوا﴾ أو اوجدوا الإيمان ﴿وعملوا﴾ أي تصديقاً له ﴿الصالحات﴾ وضعاً للشيء في محله عملاً بالحكمة ﴿لهم جنات﴾ أي بساتين ﴿النعيم﴾ فأفاد سبحانه بإضافتها إليه أنه لا كدر فيها أصلاً ولا شيء غير النعيم.
ولما كان ذلك قد لا يكون دائماً.
وكان لا سرور بشيء منقطع قال :﴿خالدين فيها﴾ أي دائماً.
ولما كانت الثقة بالوعد على قدر الثقة بالواعد، وكان إنجاز الوعد من الحكمة، قال مؤكداً لمضمون الوعد بالجنات :﴿وعد الله﴾ الذي لا شيء أجل منه ؛ فلا وعد أصدق من وعده، ثم أكده بقوله :﴿حقاً﴾ أي ثابتاً ثباتاً لا شيء مثله، لأنه وعد من لا شيء مثله ولا كفوء له.
ولما كان النفس الغريب جديراً بالتأكيد، أتى بصفتين مما أفهمه الإتيان بالجلالة تصريحاً بهما تأكيداً لأن هذا لا بد منه فقال :﴿وهو﴾ أي وعد بذلك والحال أنه ﴿العزيز﴾ فلا يغلبه شيء ﴿الحكيم﴾ أي المحكم لما يقوله ويفعله، فلا يستطاع نقضه ولا نقصه.