قوله تعالى ﴿ اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (١٠٦) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما انكشف بهذا في أثناء الأدلة وتضاعيف البراهين أن القرآن كنز لا يلقى مثله كنز، وعز لا يدانيه عز، وأنه في الذروة التي تضاءلت دونها سوابح الأفكار، وكلّت عن التماعها نوافذ الأبصار، وختم بأن المراد بالبيان العلماء، ناسب له أن ينبه على ذلك لئلا يفتر عنه طعنهم بقولهم " دارست " ونحوه، فقال مخصصاً له ﷺ بالخطاب إعلاماً بأنه العالم على الحقيقة :﴿اتبع﴾ أي أنت ومن تبعك ﴿وما أوحي إليك﴾ أي فالزم العمل به ؛ ثم أكد مدحه بقوله :﴿من ربك﴾ أي المحسن إليك بهذا البيان ؛ ثم علل ذلك بقوله :﴿لا إله إلا هو﴾ أي فلا يستحق غيره أن يتبع له أمر، ولا يلتفت إليه في نفع ولا ضر ﴿وأعرض عن المشركين﴾ أي بغير التبليغ، فإنه ما عليك غيره، ومزيد حرصك على إيمانهم لا يزيد من أريدت شقوته إلا تمادياً في إشراكه وارتباكاً في قيود أشراكه. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٦٩٣﴾
فصل
قال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار أنهم ينسبونه في إظهار هذا القرآن إلى الافتراء أو إلى أنه يدارس أقواماً ويستفيد هذه العلوم منهم ثم ينظمها قرآناً ويدعي أنه نزل عليه من الله تعالى، أتبعه بقوله :﴿اتبع مَا أُوحِىَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ﴾ لئلا يصير ذلك القول سبباً لفتوره في تبليغ الدعوة والرسالة، والمقصود تقوية قلبه وإزالة الحزن الذي حصل بسبب سماع تلك الشبهة، ونبه بقوله :﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ على أنه تعالى لما كان واحداً في الإلهية فإنه يجب طاعته، ولا يجوز الإعراض عن تكاليفه بسبب جهل الجاهلين وزيغ الزائغين.
وأما قوله :﴿وَأَعْرِضْ عَنِ المشركين﴾ فقيل : المراد ترك المقابلة، فلذلك قالوا إنه منسوخ، وهذا ضعيف لأن الأمر بترك المقابلة في الحال لا يفيد الأمر بتركها دائماً، وإذا كان الأمر كذلك لم يجب التزام النسخ.
وقيل المراد ترك مقابلتهم فيما يأتونه من سفه، وأن يعدل صلوات الله عليه إلى الطريق الذي يكون أقرب إلى القبول وأبعد عن التنفير والتغليظ. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٣ صـ ١١٢ ـ ١١٣﴾