قوله تعالى ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (٦٠) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان هذا ربما أدى إلى ترك المناصبة والمحاربة والمغالبة اعتماداً على الوعد الصادق المؤيد بما وقع لهم في بدر من عظيم النصر مع نقص دعوى العِدة والعُدة، أتبعه ما يبين أن اللازم ربط الأسباب بمسبباتها، وليتبين الصادق في دعوى الإيمان من غيره فقال :﴿وأعدوا لهم﴾ أي للأعداء ﴿ما استطعتم﴾ أي دخل في طاعتكم وكان بقوة جهدكم تحت مقدروكم وطاقتكم ﴿من قوة﴾ أيّ قوة كانت، وفسرها النبي ـ ﷺ ـ بالرمي إشارة إلى أنه أعظم عدده على نحو " الحج عرفة " وفي أمرهم بقوله ﴿ومن رباط الخيل﴾ إيماء إلى باب من الامتنان بالنصر في بدر لأنهم لم يكن معهم فيه غير فرسين، والرباط هو الخيل التي تربط في سبيل الله الخمس منها فما فوقها، وخصها مع دخولها فيما قبل إشارة إلى عظيم غنائها، والرباط أيضاً ملازمة تغر العدو وربط الخيل به إعداداً للعدو ؛ ثم أجاب من كأنه قال : لم نفعل ذلك وما النصر إلا بيدك؟ بقوله :﴿ترهبون﴾ أي تخافون تخويفاً عظيماً باهراً يؤدي إلى الهرب على ما أجريت من العوائد ﴿به﴾ أي بذلك الذي أمرتكم به من المستطاع أو من الرباط ﴿عدو الله﴾ أي الذي له العظمة كلها لأنه الملك الأعلى ﴿وعدوكم﴾ أي المجاهدين، والأليق بقوله - :﴿وآخرين﴾ أي وترهبون بذلك آخرين ﴿من دونهم﴾ - أي يحمل على المنافقين لوصفهم بقوله :﴿لا تعلمونهم﴾ كما قال تعالى ﴿وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم﴾ [ التوبة : ١٠١ ] ولأنهم لا يكونون دونهم إلا إذا لم يكونوا في العدواة مثلهم، وكل من فرض غير المنافقين مظهرون للعدواة، وأما المنافقون فإنهم مدعون بإظهار الإسلام أنهم أولياء لا أعداء ﴿الله﴾ أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿يعلمهم﴾ أي فهو يكفيكم ما يظن من أمرهم، وليس عليكم إلا الجهد بحسب ما تعلمون، والآية بالنسبة إلى ما تقدمها من باب " اعقلها وتوكل " والمعنى لا تظنوا أن الكفار فاتونا وأفلتوا من