قوله تعالى ﴿إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٥٥)﴾
قال البقاعى :
﴿إذ﴾ أي مكر حين ﴿قال الله﴾ أي ما له من التفرد بصفات الكمال ﴿يا عيسى إني متوفيك﴾ وعبر عن ذلك بطريق الكناية الإيمائية فإن عصمته من قتل الكفار ملزومة للموت حتف الأنف، وأما قول الزمخشري : أي مستوفى أجلك ومعناه : إني عاصمك من أن يقتلك الكفار، ومؤخرك إلى أجل كتبته لك، ومميتك حتف أنفك لا قتلاً بأيديهم - ليكون كناية تلويحية عن العصمة من القتل لأنها ملزومة لتأخيره إلى الأجل المكتوب والتأخير ملزوم للموت حتف الأنف - فلا ينبغي الاغترار به لأنه مبني على مذهب الاعتزال من أن القاتل قطع أجل المقتول المكتوب، وكأن القاضي البيضاوي لم يتفطن له فترجم هذه العبارة بما يؤديها ؛ ويجوز أن يكون معنى متوفيك : آخذك إليّ من غير أن يصلوا منك إلى محجم دم ولا ما فوقه من عضو ولا نفس فلا تخش مكرهم.
قال في القاموس : أوفى فلاناً حقه : أعطاه وافياً، كوفّاه ووافاه فاستوفاه وتوفاه.
ثم زاد سبحانه وتعالى في بشارته بالرفعة إلى محل كرامته وموطن ملائكته ومعدن النزاهة عن الأدناس فقال :﴿ورافعك﴾ وزاد إعظام ذلك بقوله :﴿إليّ ومطهرك من الذين كفروا ﴾.


الصفحة التالية
Icon