قوله تعالى ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (٢٤) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (٢٥) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما قرع الأسماع بهذا النهي المحتم لتوحيده، أتبعه الإخبار بالأمر بذلك جمعاً في ذلك بين صريحي الأمر والنهي تصريحاً بعد التنزيه له عن الشريك بالإفراد له في العبادة في أسلوب الخبر، إعلاماً بعظم المقام فقال تعالى :﴿وقضى﴾ أي نهاك عن ذلك وأمر ﴿ربك﴾ أي المحسن إليك أمراً حتماً مقطوعاً به ماضياً لا يحتمل النزاع ؛ ثم فسر هذا الأمر بقوله تعالى :﴿ألا تعبدوا﴾ أي أنت وجميع أهل دعوتك، وهم جميع الخلق ﴿إلا إياه﴾ فإن ذلك هو الإحسان.
ولما أمر بمعرفة الحق المحسن المطلق منبهاً على وجوب ذلك باسم الرب، أتبعه الأمر بمعرفة الحق لأول المربين من الخلق فقال :﴿وبالوالدين﴾ أي وأحسنوا، أي أوقعوا الإحسان بهما ﴿إحساناً﴾ بالإتباع في الحق إن كانا حنيفين شاكرين لأنعمه كإبراهيم ونوح عليهما السلام فإن ذلك يزيد في حسناتهما، وبالبراءة منهما في الباطل فإن ذلك يخفف من وزرهما واللطف بهما ما لم يجر إلى فساد ليكون الله معكم فإنه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.


الصفحة التالية
Icon