قوله تعالى ﴿ وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَثَمُودُ (٤٢) وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ (٤٣) وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ وَكُذِّبَ مُوسَى فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (٤٤) ﴾
مناسبة الآية لما قبلها
قال البقاعى :
ولما كان في ترغيب هذه الآيات وترهيبها ما يعطف العاقل، ويقصف الجاهل، طوي حكم العاقل لفهمه ما سبق، وهو : فإن يؤمنوا بك مكناهم في الأرض، ودل عليه بعطف حكم الجاهل على غير مذكور في سياق يسلي به نبيه ـ ﷺ ـ ويعزيه، ويؤنسه ويواسيه، فقال ﴿وإن يكذبوك﴾ أي أخذتهم وإن كانوا أمكن الناس، فقد فعلت بمن قبلهم ذلك، فلا يحزنك أمرهم ﴿فقد كذبت﴾ وأتى سبحانه بتاء التأنيث تحقيراً للمكذبين في قدرته وإن كانوا أشد الناس.
ولما كانت هذه الأمم لعظمهم وتمادي أزمانهم كأنهم قد استغرقوا الزمان كله، لم يأت بالجار فقال :﴿قبلهم قوم نوح﴾ وكانوا أطول الناس أعماراً، وأشدهم اقتداراً ؛ ولما لم يتعلق في هذا السياق غرض بالمخالفة في ترتيبهم، ساقهم على حسب ترتبيهم في الوجود فقال :﴿وعاد﴾ أي ذوو الأبدان الشداد ﴿وثمود﴾ أولو الأبنية الطوال، في السهول والجبال ﴿وقوم إبراهيم﴾ المتجبرون المتكبرون ﴿وقوم لوط﴾ الأنجاس، بما لم يسبقهم إليه أحد من الناس ﴿وأصحاب مدين﴾ أرباب الأموال، المجموعة من خزائن الضلال.
ولما كان موسى عليه السلام قد أتى من الآيات المرئية ثم المسموعة بما لم يأت بمثله أحد ممن تقدمه، فكان تكذيبه في غاية من البعد، غير سبحانه الأسلوب تنبيهاً على ذلك، وعلى أن الذين أطبقوا على تكذيبه القبط، وأما قومه فما كذبه منهم إلا ناس يسير، فقال :﴿وكذب موسى﴾ وفي ذلك أيضاً تعظيم للتأسية وتفخيم للتسلية ﴿فأمليت للكافرين﴾ أي فتعقب عن تكذيبهم أني أمهلتهم بتأخير عقوبتهم إلى الوقت الذي ضربته لهم، وعبر عن طول الإملاء بأداة التراخي لزيادة التأسية فقال :﴿ثم أخذتهم﴾ ونبه سبحانه وتعالى على أنه كان في أخذهم عبر وعجائب، وأهوال وغرائب، بالاستفهام في قوله :﴿فكيف كان نكير﴾ أي إنكاري لأفعالهم، فليحذر هؤلاء الذين أتيتهم بأعظم ما أتى به رسول قومه مثل ذلك. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٥ صـ ١٥٨ ـ ١٥٩﴾


الصفحة التالية
Icon