ولما كان المصلح قد يظن مفسداً لصدعه بمر الحق من غير مداراة، والمفسد قد يعد مصلحاً لما يرى منه من المداهنة والمراءاة والمكر، فيظن من يخلق الوعد بالتوفيق غير ما في نفس الأمر ؛ قال تعالى مزيلاً لهذا الوهم مرغباً ومرهباً :﴿إن الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال ﴿كان عليماً﴾ أي مطلقاً على ما يمكن الاطلاع عليه وإن غاب عن غيره ﴿خبيراً﴾ أي لا يخفى عليه من ذلك خفي، ولا يغيب عنه خبيء، فصارت هذه الآيات كفيلة بغالب أحوال النكاح، ولم يذكر سبحانه وتعالى الطلاق عندما ذكر الشقاق لتقدمه في البقرة، ولأن مبنى هذه السورة على التواصل والتوادّ دون التفاصل والترادّ كما قال ابن الزبير، ولهذا - أي لبناء السورة على التواصل والائتلاف دون التفاصل والاختلاف - خصت من حكم تشاجر الزوجين بالإعلام بصورة الإصلاح والعدالة إبقاء لذلك التواصل، فلم يكن الطلاق ليناسب هذا، فلم يقع له هنا ذكر ولا إيماء إلا قوله :﴿وإن يتفرقا يغن الله كلاًّ من سعته﴾ [ النساء : ١٣٠ ] - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٥٣ ـ ٢٥٤﴾
وقال الفخر :
اعلم أنه تعالى لما ذكر عند نشوز المرأة أن الزوج يعظها، ثم يهجرها، ثم يضربها، بين أنه لم يبق بعد الضرب إلا المحاكمة إلى من ينصف المظلوم من الظالم فقال :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا﴾. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٧٤﴾
فصل
قال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا ﴾ قد تقدّم معنى الشقاق في "البقرة".
فكأنّ كل واحد من الزوجين يأخذ شِقّاً غير شِقّ صاحبه، أي ناحية غير ناحية صاحبه.
والمراد إن خِفتم شِقاقاً بينهما ؛ فأضيف المصدر إلى الظرف كقولك : يعجِبني سَيْر الليلة المُقْمرة، وصومُ يومِ عرفة.
وفي التنزيل :﴿ بَلْ مَكْرُ الليل والنهار ﴾ [ سبأ : ٣٣ ].