فصل


قال الفخر :
قال ابن عباس : إنهم اليهود، بخلوا أن يعترفوا بما عرفوا من نعت محمد عليه الصلاة والسلام وصفته في التوراة، وأمروا قومهم أيضا بالكتمان ﴿وَيَكْتُمُونَ مَا ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ﴾ يعني من العلم بما في كتابهم من صفة محمد ﷺ ﴿وَأَعْتَدْنَا﴾ في الآخرة لليهود ﴿عَذَاباً مُّهِيناً﴾ واحتج من نصر هذا القول : بأن ذكر الكافر في آخر الآية يدل على أن المراد بأولها الكافر.
وقال آخرون : المراد منه البخل بالمال، لأنه تعالى ذكره عقيب الآية التي أوجب فيها رعاية حقوق الناس بالمال، فإنه قال :﴿وبالوالدين إحسانا وَبِذِى القربى واليتامى والمساكين والجار ذِى القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل﴾ [ النساء : ٣٦ ] ومعلوم أن الإحسان إلى هؤلاء إنما يكون بالمال، ثم ذم المعرضين عن هذا الإحسان فقال :﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً﴾ [ النساء : ٣٦ ] ثم عطف عليه ﴿الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل﴾ فوجب أن يكون هذا البخل بخلا متعلقا بما قبله، وما ذاك إلا البخل بالمال.
والقول الثالث : أنه عام في البخل بالعلم والدين، وفي البخل بالمال، لأن اللفظ عام، والكل مذموم، فوجب كون اللفظ متناولا للكل. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨٠﴾
قال الطبرى :
وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، ما قاله الذين قالوا : إن الله وصف هؤلاء القوم الذين وصف صفتهم في هذه الآية، بالبخل بتعريف من جهل أمرَ محمد ﷺ أنه حقّ، وأنّ محمدًا لله نبيّ مبعوث، وغير ذلك من الحق الذي كان الله تعالى ذكره قد بيّنه فيما أوحى إلى أنبيائه من كتبه. فبخل بتبيينه للناس هؤلاء، وأمروا من كانت حاَله حالَهم في معرفتهم به : أن يكتموه من جَهِل ذلك، ولا يبيِّنوه للناس.


الصفحة التالية
Icon