وإنما قلنا : هذا القول أولى بتأويل الآية، لأن الله جل ثناؤه وصفهم بأنهم يأمرون الناس بالبخل، ولم يبلغنا عن أمة من الأمم أنها كانت تأمرُ الناس بالبخل ديانةً ولا تخلُّقًا، بل ترى ذلك قبيحًا وتذمَّ فاعله ؛ وَتمتدح - وإن هي تخلَّقَت بالبخل واستعملته في أنفسها - بالسخاء والجود، وتعدُّه من مكارم الأفعال وتحثُّ عليه. ولذلك قلنا : إنّ بخلهم الذي وصفهم الله به، إنما كان بخلا بالعلم الذي كان الله آتاهموه فبخلوا بتبيينه للناس وكتموه، دون البخل بالأموال إلا أن يكون معنى ذلك : الذين يبخلون بأموالهم التي ينفقونها في حقوق الله وُسُبله، ويأمرون الناس من أهل الإسلام بترك النفقة في ذلك. فيكون بخلهم بأموالهم، وأمرهم الناس بالبخل، بهذا المعنى - على ذكرنا من الرواية عن ابن عباس - فيكون لذلك وجه مفهومٌ في وصفهم بالبخل وأمرِهم به. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٣٤٥ ـ ٣٥٥﴾. بتصرف يسير.
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل ﴾ البخل المذموم في الشرع هو الامتناع من أداء ما أوجب الله تعالى عليه.
وهو مثل قوله تعالى :﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ الله مِن فَضْلِهِ ﴾ [ آل عمران : ١٨٠ ] الآية.
وقد مضى في "آل عمران" القول في البخل وحقيقته، والفرق بينه وبين الشُّحِّ مستوفى.
والمراد بهذه الآية في قول ابن عباس وغيره اليهود ؛ فإنهم جمعوا بين الاختيال والفخر والبخل بالمال وكتمان ما أنزل الله من التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : المراد المنافقون الذين كان إنفاقهم وإيمانهُم تَقِيَّة، والمعنى إن الله لا يحب كل مختال فخور، ولا الذين يبخلون ؛ على ما ذكرنا من إعرابه. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ١٩٣﴾.


الصفحة التالية