وجوز أن تكون الجملة مستأنفة وجوابها مقدر أي حصلت لهم السعادة ونحوه، وإنما قدم الإيمان ههنا وأخر في الآية المتقدمة لأنه ثمة ذكر لتعليل ما قبله من وقوع مصارفهم في دنياهم في غير محلها، وهنا للتحريض فينبغي أن يبدأ فيه بالأهم فالأهم، ولو قيل : أخر الإيمان هناك وقدم الإنفاق لأن ذلك الإنفاق كان بمعنى الإسراف الذي هو عديل البخل فأخر الإيمان لئلا يكون فاصلاً بين العديلين لكان له وجه لا سيما إذا قلنا بالعطف.
﴿ وَكَانَ الله عَلِيماً ﴾ خبر يتضمن وعيداً وتنبيهاً على سوء بواطنهم، وأنه تعالى مطلع على ما أخفوه في أنفسهم فيجازيهم به، وقيل : فيه إشارة إلى إثابته تعالى إياهم لو كانوا آمنوا وأنفقوا، ولا بأس بأن يراد كان عليماً بهم وبأحوالهم المحققة والمفروضة فيعاقب على الأولى ويثيب على الثانية كما ينبىء عن ذلك قوله تعالى :﴿ إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ﴾. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٣١﴾
من فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
وقوله :﴿ وماذا عليهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر ﴾ عطف على الجملتين، وضمير الجمع عائد إلى الفريقين، والمقصود استنزال طائرهم، وإقامة الحجّة عليهم.
﴿ وماذا ﴾ استفهام، وهو هنا إنكاري توبيخي.
و( ذا ) إشارة إلى ( مَا )، والأصل لا يجيء بعد ( ذا ) اسم موصول نحو ﴿ من ذا الذي يشفع عنده ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ].
وكثر في كلام العرب حذفه وإبقاء صلته لكثرة الاستعمال، فقال النحاة : نابت ﴿ ذا ﴾ منابَ الموصول، فعدّوها في الموصولات وما هي منها في قبيل ولا دبير، ولكنّها مؤذنة بها في بعض المواضع.
﴿ وعلى ﴾ ظرف مستقِرّ هو صلة الموصول، فهو مؤوّل بكون.
و﴿ على ﴾ للاستعلاء المجازي بمعنى الكلفة والمشقّة، كقولهم : عَليك أن تفعل كذا.


الصفحة التالية
Icon