وروي ذلك عن ابن عباس وابن زيد، وعن الأول : أنها رأس النملة، وعنه أيضاً أنه أدخل يده في التراب ثم نفخ فيه فقال : كل واحدة من هؤلاء ذرة، وقريب منه ما قيل : إنها جزء من أجزاء الهباء في الكوة، وقيل هي الخردلة، ويؤيد الأول ما أخرجه ابن أبي داود في "المصاحف" من طريق عطاء عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قرأ مثقال نملة ولم يذكر سبحانه الذرة لقصر الحكم عليها بل لأنها أقل شيء مما يدخل في وهم البشر، أو أكثر ما يستعمل عند الوصف بالقلة، ولم يعبر سبحانه بالمقدار ونحوه بل عبر بالمثقال للإشارة بما يفهم منه من الثقل الذي يعبر به عن الكثرة والعظم كقوله تعالى :﴿ فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ موازينه ﴾ [ القارعة : ٦ ] إلى أنه وإن كان حقيراً فهو باعتبار جزئه عظيم، وانتصابه على أنه صفة مصدر محذوف كالمفعول، أي ظلماً قدر مثقال ذرة فحذف المصدر وصفته، وأقيم المضاف إليه مقامهما، أو مفعول ثان ليظلم أي لا يظلم أحداً أو لا يظلمهم مثقال ذرة.
قال السمين : وكأنهم ضمنوا ( يظلم ) معنى يغصب أو ينقص فعدوه لاثنين.
وذكر الراغب أن الظلم عند أهل اللغة وضع الشيء في غير موضعه المختص به إما بنقصان أو بزيادة أو بعدول عن وقته أو مكانه، وعليه ففي الكلام إشارة إلى أن نقص الثواب وزيادة العقاب لا يقعان منه تعالى أصلاً، وفي ذلك حث على الإيمان والإنفاق بل إرشاد إلى أن كل ما أمر به مما ينبغي أن يفعل وكل ما نهى عنه مما ينبغي أن يجتنب.