واستدل المعتزلة بالآية على أن الظلم ممكن في حدّ ذاته إلا أنه تعالى لا يفعله لاستحالته في الحكمة لا لاستحالته في القدرة لأنه سبحانه مدح نفسه بتركه ولا مدح بترك القبيح ما لم يكن عن قدرة، ألا ترى أن العنين لا يمدح بترك الزنا، واعترض على ذلك بقوله تعالى :﴿ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ﴾ [ البقرة : ٢٥٥ ] فإنه ذكر في معرض المدح مع أن النوم غير ممكن عليه سبحانه، قال في "الكشف" وهو غير وارد لأنه مدح بانتفاء النقص عن ذاته المقدسة وهو كما نقول : الباري عز وعلا ليس بجسم ولا عرض، وأما ما نحن فيه فمدح بترك الفعل والترك الممدوح إنما يكون إذا كان بالاختيار، نعم للمانع أن لا يسلم أنه تعالى مدح بالترك بل من حيث الدلالة على النقص لأن وجوب الوجود ينافي جواز الاتصاف بالظلم، وتحقيقه على مذهبهم أن وضع الشيء في غير موضعه الحقيق به ممكن في نفسه وقدرة الحق جل شأنه تسع جميع الممكنات، لكن الحكمة وهي الإتيان بالممكن على وجه الإحكام وعلى ما ينبغي مانعة، وعن هذا قالوا : الحكيم لا يفعل إلا الحسن من بين الممكنات إلا إذا دعته حاجة ؛ والمنزه عن الحاجات جمع يتعالى عن فعل القبيح، ونحن نقول : إنه عز اسمه لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أيضاً بناءاً على وعده المحتوم، فإن الخلف فيه ممتنع لكونه نقصاً منافياً للألوهية وكمال الغنى، وبهذا الاعتبار يصح أن يسمى ظلماً، وإن كان لا يتصور حقيقة الظلم منه تعالى لكونه المالك على الإطلاق، فالزيادة والنقص ممكنان لذاتهما، والخلف ممتنع لذاته، ولا يلزم من كون الخلف ممتنعاً لذاته بالنسبة إلى الواجب تعالى وتقدس أن يكون متعلقه كذلك، وهذا على نحو ما تقرر في مسألة التكليف بالممتنع أن إخبار الله تعالى عن عدم إيمان المصر ووجوب الصدق اللازم له لا يخرج الفعل عن