قوله تعالى ﴿يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا (٤٢)﴾

فصل


قال الفخر :
قوله :﴿الذين كَفَرُواْ وَعَصَوُاْ الرسول﴾ يقتضي كون عصيان الرسول مغايرا للكفر. لأن عطف الشيء على نفسه غير جائز، فوجب حمل عصيان الرسول على المعاصي المغايرة للكفر، إذا ثبت هذا فنقول : الآية دالة على أن الكفار مخاطبون بفروع الإسلام، وأنهم كما يعاقبون يوم القيامة على الكفر فيعاقبون أيضا على تلك المعاصي.
لأنه لو لم يكن لتلك المعصية أثر في هذا المعنى لما كان في ذكر معصيتهم في هذا الموضع أثر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨٦﴾
"القراءات"

فصل


قال الفخر :
قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو ﴿تسوى﴾ مضمومة التاء خفيفة السين على ما لم يسم فاعله، وقرأ نافع وابن عامر ﴿تسوى﴾ مفتوحة التاء مشددة السين بمعنى : تتسوى، فأدغم التاء في السين لقربها منها، ولا يكره اجتماع التشديدين في هذه القراءة لأن لها نظائر في التنزيل كقوله :﴿اطيرنا بِكَ﴾ [ النمل : ٤٧ ] ﴿وازينت﴾ [ يونس : ٢٤ ] ﴿ويذكرون﴾ [ الأنعام : ٢٦ ] وفي هذه القراءة اتساع، وهو إسناد الفعل إلى الأرض وقرأ حمزة والكسائي ﴿تسوى﴾ مفتوحة التاء والسين خفيفة، حذفا التاء التى أدغمها نافع، لأنها كما اعتلت بالإدغام اعتلت بالحذف. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨٦﴾
قال القرطبى :
والمعنى لو يسوّي الله بهم الأرض، أي يجعلهم والأرضَ سواء.
ومعنى آخر : تَمنّوا لو لم يبعثهم الله وكانت الأرض مستوية عليهم ؛ لأنهم من التراب نقلوا.
وعلى القراءة الأولى والثانية فالأرض فاعلة، والمعنى تمنّوا لو انفتحت لهم الأرض فساخوا فيها ؛ قاله قَتادة.
وقيل : الباء بمعنى على، أي لو تُسوى عليهم أي تنشق فتسوى عليهم ؛ عن الحسن.
فقراءة التشديد على الإدغام، والتخفيف على حذف التاء.
وقيل : إنما تمنّوا هذا حين رأوا البهائم تصير ترابا وعلموا أنهم مُخلَّدون في النار ؛ وهذا معنى قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُ الكافر ياليتني كُنتُ تُرَاباً ﴾ [ النبأ : ٤٠ ] وقيل : إنما تمنوا هذا حين شهدت هذه الأمةُ للأنبياء على ما تقدّم في "البقرة" عند قوله تعالى ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً ﴾ [ البقرة : ١٤٣ ] الآية.


الصفحة التالية
Icon