﴿ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربى واليتامى والمساكين ﴾ مناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما ذكر أنّ الرجال قوامون على النساء بتفضيل الله إياهم عليهن، وبإنفاق أموالهم، ودل بمفهوم اللقب أنه لا يكون قواماً على غيرهن، أوضح أنه مع كونه قواماً على النساء هو أيضاً مأمور بالإحسان إلى الوالدين، وإلى من عطفه على الوالدين.
فجاءت حثاً على الإحسان، واستطراداً لمكارم الأخلاق.
وأن المؤمن لا يكتفي من التكاليف الإحسانية بما يتعلق بزوجته فقط، بل عليه غيرها من بر الوالدين وغيرهم.
وافتتح التوصل إلى ذلك بالأمر بإفراد الله تعالى بالعبادة، إذ هي مبدأ الخير الذي تترتب الأعمال الصالحة عليه. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٥٤﴾

فصل


قال القرطبى :
أجمع العلماء على أن هذه الآية من المُحْكَم المتفق عليه، ليس منها شيء منسوخ.
وكذلك هي في جميع الكتب.
ولو لم يكن كذلك لعُرف ذلك من جهة العقل، وإن لم ينزل به الكتاب.
وقد مضى معنى العبودية وهي التذلل والافتقار، لمن له الحكم والاختيار ؛ فأمر الله تعالى عباده بالتذلل له والإخلاص فيه، فالآية أصل في خلوص الأعمال لله تعالى وتصفيتها من شوائب الرياء وغيره ؛ قال الله تعالى ﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَا ﴾ [ الكهف : ١١٠ ] حتى لقد قال بعض علمائنا : إنه من تطهّر تبرُّداً أو صام مُحِمّاً لِمَعِدَته ونَوَى مع ذلك التقرّب لم يُجْزِه ؛ لأنه مزج في نية التقرب نيّةً دنياوية وليس لله إلا العمل الخالص ؛ كما قال تعالى :﴿ أَلاَ لِلَّهِ الدين الخالص ﴾ [ الزمر : ٣ ].
وقال تعالى :﴿ وَمَآ أمروا إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين ﴾ [ البينة : ٥ ].


الصفحة التالية
Icon