والقول الثاني : وهو قول الضحاك : وهو أنه ليس المراد منه سكر الخمر، إنما المراد منه سكر النوم، قال : ولفظ السكر يستعمل في النوم فكان هذا اللفظ محتملا له، والدليل دل عليه فوجب المصير إليه، أما بيان أن اللفظ محتمل له فمن وجهين : الأول : ما ذكرنا : أن لفظ السكر في أصل اللغة عبارة عن سد الطريق، ولا شك أن عند النوم تمتلىء مجاري الروح من الأبخرة الغليظة فتنسد تلك المجاري بها، ولا ينفذ الروح الباصر والسامع إلى ظاهر البدن.
الثاني : قول الفرزدق :
من السير والادلاج يحسب انما.. سقاه الكرى في كل منزلة خمرا
وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له فنقول : الدليل دل عليه، وبيانه من وجوه : الأول : أن قوله تعالى :﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى حتى تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ﴾ ظاهره أنه تعالى نهاهم عن القرب من الصلاة حال صيرورتهم بحيث لا يعلمون ما يقولون، وتوجيه التكليف على مثل هذا الإنسان ممتنع بالعقل والنقل، أما العقل فلأن تكليف مثل هذا الإنسان يقتضي تكليف ما لا يطاق، وأما النقل فهو قوله عليه الصلاة والسلام :" رفع القلم عن ثلاث عن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يفيق وعن النائم حتى يستيقظ " ولا شك أن هذا السكران يكون مثل المجنون، فوجب ارتفاع التكليف عنه.
والحجة الثانية : قوله عليه الصلاة والسلام :" إذا نعس أحدكم وهو في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم فإنه إذا صلى وهو ينعس لعله يذهب ليستغفر فيسب نفسه " هذا تقرير قول الضحاك.
واعلم أن الصحيح هو القول الأول، ويدل عليه وجهان : الأول : أن لفظ السكر حقيقة في السكر من شرب الخمر، والأصل في الكلام الحقيقة، فأما حمله على السكر من العشق، أو من الغضب أو من الخوف، أو من النوم، فكل ذلك مجاز، وإنما يستعمل مقيدا.