قال تعالى :﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ﴾ [ ق : ١٩ ] وقال :﴿وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى﴾ [ الحج : ٢ ] الثاني : أن جميع المفسرين اتفقوا على أن هذه الآية إنما نزلت في شرب الخمر وقد ثبت في أصول الفقه أن الآية إذا نزلت في واقعة معينة ولأجل سبب معين، امتنع أن لا يكون ذلك السبب مراداً بتلك الآية، فأما قول الضحاك كيف يتناوله النهي حال كونه سكران ؟ فنقول : وهذا أيضا لازم عليكم، لأنه يقال : كيف يتناوله النهي وهو نائم لا يفهم شيئا ؟ ثم الجواب عنه : إن المراد من الآية النهي عن الشرب المؤدي إلى السكر المخل بالفهم حال وجوب الصلاة عليهم، فخرج اللفظ عن النهي عن الصلاة في حال السكر مع أن المراد منه النهي عن الشرب الموجب للسكر في وقت الصلاة.
وأما الحديث الذي تمسك به فذاك لا يدل على أن السكر المذكور في الآية هو النوم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٨٨ ـ ٨٩﴾
وقال القرطبى :
والجمهور من العلماء وجماعة الفقهاء على أن المراد بالسكر سكر الخمر ؛ إلا الضحاك فإنه قال : المراد سكر النوم ؛ لقوله عليه السلام :" إذا نعس أحدكم في الصلاة فلْيرقُدْ حتى يذهب عنه النوم، فإنه لا يدري لعلّه يستغفر فيَسبّ نفسه "
وقال عَبيدة السّلمانِيّ :"وَأَنْتُمْ سُكَارَى" يعني إذا كنت حاقناً ؛ لقوله عليه السلام :" لا يصلِّيَنَّ أحدكم وهو حاقن " في رواية " وهو ضام بين فخذيه ".
قلت وقول الضحاك وعَبيدة صحيح المعنى ؛ فإن المطلوب من المصلِّي الإقبالُ على الله تعالى بقلبه وترك الالتفات إلى غيره، والخلُّو عن كل ما يشوِّش عليه من نوم وحُقنة وجوع، وكل ما يشغَل البال ويغيّر الحال.


الصفحة التالية
Icon