ولما أمرهم وقطع حجتهم، حذرهم فقال - مخففاً عنهم بالإشارة بحرف الجر إلى أنه متى وقع منهم إيمان في زمن مما قبل الطمس أخره عنهم - :﴿من قبل أن نطمس﴾ أي نمحو ﴿وجوهاً﴾ فإن الطمس في اللغة : المحو ؛ وهو يصدق بتغيير بعض الكيفيات، ثم سبب عن ذلك قوله :﴿فنردها﴾ فالتقدير : من قبل أن نمحو أثر وجوه بأن نردها ﴿على أدبارها﴾ أي بأن نجعل ما إلى جهة القبل من الرأس إلى جهة الدبر، وما إلى الدبر النقل من حال إلى ما دونها من ضدها بجعلها على حال القفا، ليس فيها معلم من فم ولا غيره، ليكون المعنى بالطمس مسح ما في الوجه من المعاني ؛ قال ابن هشام : نطمس : نمسحها فنسويها، فلا يرى فيها عين ولا أنف ولا فم ولا شيء مما يرى في الوجه، وكذلك ﴿فطمسنا أعينهم﴾ [ القمر : ٣٧ ] المطموس العين : الذي ليس بين جفنيه شق، ويقال : طمست الكتاب والأثر فلا يرى منه شيء.
ويكون الوجه في هذا التقدير على حقيقته ؛ ثم خوفهم نوعاً آخر من الطمس فقال عاطفاً على ( نردها ) :﴿أو نلعنهم﴾ أي نبعدهم جداً عن صورة البشر أن نقلب وجوههم أو جميع ذواتهم على صورة القردة ﴿كما لعنا أصحاب السبت﴾ إذ قلنا لهم ﴿كونوا قردة خاسئين﴾ [ البقرة : ٦٥ ] ويكون الوجه في هذا التقدير الأخير عبارة عن الجملة، فهو إذن مما استعمل في حقيقته ومجازه، ويجوز أن يكون واحد الوجهاء، فيكون عود الضمير إليه استخداماً، ويكون المراد بالرد على الأدبار جعلهم أدنياء صغرة من الأسافل - والله سبحانه وتعالى أعلم.


الصفحة التالية
Icon