وهذا موجب اختلاف الصلة هنا عن الصلة في قوله :﴿ ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب ﴾ [ آل عمران : ٢٣ ] لأنّ ذلك جاء في مقام التعجيب والتوبيخ فناسبته صلة مؤذنة بتهوين شأن علمهم بما أوتوه من الكتاب، وما هنا جاء في مقام الترغيب فناسبته صلة تؤذن بأنّهم شُرّفوا بإيتاء التوراة لتثير هممهم للاتّسام بميسم الراسخين في جريان أعمالهم على وفق ما يناسب ذلك، وليس بين الصلتين اختلاف في الواقع لأنّهم أوتوا الكتاب كلّه حقيقة باعتبار كونه بين أيديهم، وأوتوا نصيباً منه باعتبار جريان أعمالهم على خلاف ما جاء به كتابهم، فالذي لم يعملوا به منه كأنّهم لم يُؤتَوْه.
وجيء بالصلتين في قوله :﴿ بما نزلنا ﴾ وقوله :"بما معكم" دون الاسمين العلمين، وهما : القرآن والتوراة : لما في قوله :﴿ بما نزلنا ﴾ من التذكير بعظم شأن القرآن أنّه منزل بإنزال الله، ولما في قوله :﴿ لما معكم ﴾ من التعريض بهم في أنّ التوراة كتاب مستصحب عندهم لا يعلمون منه حقّ علمه ولا يعملون بما فيه، على حدّ قوله :﴿ كمثَل الحمار يحمل أسفاراً ﴾ [ الجمعة : ٥ ]. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٤٨ ـ ١٤٩﴾

فصل


قال القرطبى :
قال ابن إسحاق :" كلّم رسول الله ﷺ رؤساءَ من أحبار يهود منهم عبد الله بن صُورِيا الأعور وكعب بن أسد فقال لهم :"يا معشر يهود اتقوا الله وأسلموا فوالله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به الحق" " قالوا : ما نعرف ذلك يا محمد.
وجحدوا ما عرفوا وأصروا على الكفر ؛ فأنزل الله عز وجل فيهم :﴿ يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِّمَا مَعَكُمْ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً ﴾ إلى آخر الآية. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٤٤﴾.


الصفحة التالية
Icon