أما القول الأول : فهو أن المراد من طمس الوجوه محو تخطيط صورها، فإن الوجه إنما يتميز عن سائر الأعضاء بما فيه من الحواس، فإذا أزيلت ومحيت كان ذلك طمسا، ومعنى قوله :﴿فَنَرُدَّهَا على أدبارها﴾ رد الوجوه إلى ناحية القفا، وهذا المعنى إنما جعله الله عقوبة لما فيه من التشويه في الخلقة والمثلة والفضيحة، لأن عند ذلك يعظم الغم والحسرة، فإن هذا الوعيد مختص بيوم القيامة على ما سنقيم الدلالة عليه، ومما يقرره قوله تعالى :﴿وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كتابه وَرَاء ظَهْرِهِ﴾ [ الانشقاق : ١٠ ] فإنه إذا ردت الوجوه إلى القفا أوتوا الكتاب من وراء ظهورهم، لأن في تلك الجهة العيون والأفواه التي بها يدرك الكتاب ويقرأ باللسان.
فاما القول الثاني : فهو أن المراد من طمس الوجوه مجازه، ثم ذكروا فيه وجوها :
الأول : قال الحسن : المراد نطمسها عن الهدى فنردها على أدبارها، أي على ضلالتها، والمقصود بيان إلقائها في أنواع الخذلان وظلمات الضلالات، ونظيره قوله تعالى :﴿يا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ استجيبوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ واعلموا أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ﴾ [ الأنفال : ٢٤ ] تحقيق القول فيه أن الإنسان في مبدأ خلقته ألف هذا العالم المحسوس، ثم عند الفكر والعبودية كأنه يسافر من عالم المحسوسات إلى عالم المعقولات، فقدامه عالم المعقولات، ووراءه عالم المحسوسات فالمخذول هو الذي يرد من قدامه إلى خلفه كما قال تعالى في صفتهم :﴿ناكسو رؤسهم﴾ [ السجدة : ١٢ ].
الثاني : يحتمل أن يكون المراد بالطمس القلب والتغيير، وبالوجوه : رؤساؤهم ووجهاؤهم، والمعنى من قبل أن نغير أحوال وجهائهم فنسلب منهم الاقبال والوجاهة ونكسوهم الصغار والادبار والمذلة.


الصفحة التالية
Icon