الثالث : قال عبد الرحمن بن زيد : هذا الوعيد قد لحق اليهود ومضى، وتأول ذلك في إجلاء قريظة والنضير إلى الشام، فرد الله وجوههم على أدبارهم حين عادوا إلى أذرعات وإريحاء من أرض الشام، كما جاؤا منها بدءاً، وطمس الوجوه على هذا التأويل يحتمل معنيين : أحدهما : تقبيح صورتهم يقال : طمس الله صورته كقوله : قبح الله وجهه، والثاني : إزالة آثارهم عن بلاد العرب ومحو أحوالهم عنها.
فإن قيل : إنه تعالى هددهم بطمس الوجوه على القول الثاني فلا إشكال ألبتة، وإن فسرناه على القول الأول وهو حمله على ظاهره فالجواب عنه من وجوه :
الأول : أنه تعالى ما جعل الوعيد هو الطمس بعينه، بل جعل الوعيد إما الطمس أو اللعن فإنه قال :﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أصحاب السبت﴾ وقد فعل أحدهما وهو اللعن وهو قوله :﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾ وظاهره ليس هو المسخ.
الثاني : قوله تعالى :﴿ءامَنُواْ﴾ تكليف متوجه عليهم في جميع مدة حياتهم، فلزم أن يكون قوله :﴿مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً﴾ واقعا في الآخرة، فصار التقدير : آمنوا من قبل أن يجىء وقت نطمس فيه وجوهكم وهو ما بعد الموت.
الثالث : أنا قد بينا أن قوله :﴿يَا أَيُّهَا الذين أُوتُواْ الكتاب﴾ خطاب مع جميع علمائهم، فكان التهديد بهذا الطمس مشروطا بأن لا يأتي أحد منهم بالإيمان، وهذا الشرط لم يوجد لأنه آمن عبد الله بن سلام وجمع كثير من أصحابه، ففات المشروط بفوات الشرط، ويقال : لما نزلت هذه الآية أتى عبد الله بن سلام رسول الله ﷺ قبل أن يأتي أهله فأسلم، وقال : يا رسول الله كنت أرى أن لا أصل إليك حتى يتحول وجهي في قفاي.


الصفحة التالية
Icon