الرابع : أنه تعالى لم يقل : من قبل أن نطمس وجوهكم، بل قال :﴿مّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً﴾ وعندنا أنه لا بد من طمس في اليهود أو مسخ قبل قيام الساعة، ومما يدل على أن المراد ليس طمس وجوههم بأعيابهم، بل طمس وجوه غيرهم من أبناء جنسهم قوله :﴿أَوْ نَلْعَنَهُمْ﴾ فذكرهم على سبيل المغايبة، ولو كان المراد أولئك المخاطبين لذكرهم على سبيل الخطاب، وحمل الآية على طريقة الالتفات وإن كان جائزا إلا أن الأظهر ما ذكرناه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٧ ـ ٩٨﴾
وقال القرطبى :
واختلف العلماء في المعنى المراد بهذه الآية ؛ هل هو حقيقة فيجعل الوجه كالقفا فيذهب بالأنف والفم والحاجب والعين.
أو ذلك عبارة عن الضلالة في قلوبهم وسَلْبِهِم التوفيق ؟ قولان.
رُوي عن أُبيّ بن كعب أنه قال :﴿ مِّن قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ ﴾ من قبل أن نضلكم إضلالاً لا تهتدون بعده.
يذهب إلى أنه تمثيل وأنهم إن لم يؤمنوا فعل هذا بهم عقوبةً.
وقال قتادة : معناه من قبل أن نجعل الوجوه أقفاء.
أي يذهب بالأنف والشفاه والأعين والحواجب ؛ هذا معناه عند أهل اللغة.
ورُوي عن ابن عباس وعطية العَوْفيّ : أن الطّمس أن تُزال العينان خاصّةً وتردّ في القفا، فيكون ذلك رَدّاً على الدبر ويمشي القَهْقَرَى.
وقال مالك رحمه الله : كان أوّل إسلام كعب الأحبار أنه مَر برجل من الليل وهو يقرأ هذه الآية :﴿ يَا أَيُّهَآ الذين أُوتُواْ الكتاب آمِنُواْ ﴾ فوضع كفّيه على وجهه ورجع القَهْقَرَى إلى بيته فأسلم مكانه وقال : والله لقد خِفت ألا أبلغ بيتي حتى يُطمَس وجهي.


الصفحة التالية
Icon