وكذلك فعل عبد الله بن سَلاَم، لمّا نزلت هذه الآية وسمعها أتى رسول الله ﷺ قبل أن يأتي أهله وأسلم وقال : يا رسول الله، ما كنت أدري أن أصل إليك حتى يحوّل وجهي في قفاي. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٤٤ ـ ٢٤٥﴾.
وقال ابن عاشور :
ومعنى :﴿ من قبل أن نطمس ﴾ أي آمنِوا في زمن يبتدىء من قبل الطمس، أي من قبل زمن الطمس على الوجوه، وهذا تهديد بأن يحلّ بهم أمر عظيم، وهو يحتمل الحمل على حقيقة الطمس بأن يسلّط الله عليهم ما يفسد به محيَّاهم فإنّ قدرة الله صالحة لذلك، ويحتمل أن يكون الطمس مجازاً على إزالة ما به كمال الإنسان من استقامة المدارك فإنّ الوجوه مجامع الحواسّ.
والتهديد لا يقتضي وقوع المهدّد به، وفي الحديث " أمَا يخشَى الذي يرفع رأسه قبلَ الإمام أن يَجعل الله وجهه وجه حمار ".
وأصْل الطمس إزالة الآثار الماثلة.
قال كعب :
عُرْضَتُها طَامِسُ الأعلام مَجْهُولُ...
وقد يطلق الطمس مجازاً على إبطال خصائص الشيء المألوفة منه.
ومنه طمس القلوب أي إبطال آثار التميّز والمعرفة منها. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٤٩﴾
قال الطبرى :
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب، قولُ من قال : معنى قوله :"من قبل أن نطمس وجوها"، من قبل أن نطمس أبصارَها ونمحو آثارها فنسوّيها كالأقفاء "فنردها على أدبارها"، فنجعل أبصارها في أدبارها، يعني بذلك : فنجعل الوجوه في أدبار الوجوه، فيكون معناه : فنحوّل الوجوه أقْفاءً والأقفَاء وجوهًا، فيمشون القهقرى، كما قال ابن عباس وعطية ومن قال ذلك.


الصفحة التالية
Icon