ولما كانوا بمحل البعد - بما لهم من اللعن - عن حضرته الشريفة، عبر بأداة الانتهاء، بصرية كانت الرؤية أو قلبية، فقال :﴿إلى الذين أوتوا﴾ وحقر أمرهم بالبناء للمفعول وبقوله :﴿نصيباً من الكتاب﴾ أي كشاس بن قيس الذي أراد الخلف بين الأنصار، وفي ذلك أن أقل شيء من الكتاب يكفي في ذم الضلال، لأنه كاف في الهداية ﴿يشترون﴾ أي يتكلفون ويلحون - بما هم فيه من رئاسة الدنيا من المال والجاه - أن يأخذوا ﴿الضلالة﴾ معرضين عن الهدى غير ذاكريه بوجه، وسبب كثير من ذلك ما في دينهم من الآصال والأثقال، كما أشار إليه قوله سبحانه وتعالى ﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة﴾ [ مريم : ٥٩ ] أي بسبب ما شدد عليهم فيها بأنها لا تفعل إلا في الموضع المبني لها، وبغير ذلك من أنواع الشدة، وكذا غيرها المشار إليه بقوله سبحانه وتعالى ﴿فبما نقضهم ميثاقهم﴾ [ النساء : ١٥٥ ] وغير ذلك، ومن أعظمه ما يخفون من صفة النبي ﷺ، ليتقربوا بذلك إلى أهل دينهم، ويأخذوا منهم الرشى على ذلك، ويجعلوهم عليهم رؤساء.
ولما ذكر ضلالهم المتضمن لإضلالهم، أتبعه ما يدل على إعراقهم فيه، فقال مخاطباً لمن يمكن توجيه هممهم بإضلال إليه :﴿ويريدون أن تضلوا﴾ أي يا أيها الذين آمنوا ﴿السبيل﴾ حتى تساووهم، فلذلك يذكرونكم بالأحقاد والأضغان والأنكاد - كما فعل شاس - لا محبة فيكم، ويلقون إليكم الشبهة، فالله سبحانه وتعالى أعلم بهم حيث حذركم منه بقوله ﴿لا يألونكم خبالاً﴾ [ آل عمران : ١١٨ ] وما بعده إلى هنا ﴿والله﴾ أي المحيط علمه وقدرته ﴿أعلم﴾ أي من كل أحد ﴿بأعدائكم﴾ أي كلهم هؤلاء وغيرهم، بما يعلم من البواطن، فمن حذركم منه كائناً من كان فاحذره.


الصفحة التالية
Icon