وأما الآية المذكورة في سورة المائدة، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة، وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب، فقوله :﴿يُحَرّفُونَ الكلم﴾ إشارة إلى التأويل الباطل وقوله :﴿مِن بَعْدِ مواضعه﴾ إشارة إلى إخراجه عن الكتاب. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٥﴾
قوله تعالى ﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾
فصل
قال الفخر :
النوع الثاني : من ضلالاتهم : ما ذكره الله تعالى بقوله :﴿وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا﴾ وفيه وجهان :
الأول : أن النبي عليه السلام كان إذا أمرهم بشيء قالوا في الظاهر : سمعنا، وقالوا في أنفسهم : وعصينا
والثاني : أنهم كانوا يظهرون قولهم : سمعنا وعصينا، إظهاراً للمخالفة، واستحقاراً للأمر. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٥﴾
قوله تعالى ﴿واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾
فصل
قال الفخر :
النوع الثالث : من ضلالتهم قوله :﴿واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ ﴾.
واعلم أن هذه الكلمة ذو وجهين يحتمل المدح والتعظيم، ويحتمل الإهانة والشتم.
أما أنه يحتمل المدح فهو أن يكون المراد اسمع غير مسمع مكروها، وأما أنه محتمل للشتم والذم فذاك من وجوه :
الأول : أنهم كانوا يقولون للنبي ﷺ : اسمع، ويقولون في أنفسهم : لا سمعت، فقوله :﴿غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ معناه : غير سامع، فإن السامع مسمع، والمسمع سامع.
الثاني : غير مسمع، أي غير مقبول منك، ولا تجاب إلى ما تدعو إليه، ومعناه غير مسمع جوابا يوافقك، فكأنك ما أسمعت شيئا.
الثالث : اسمع غير مسمع كلاما ترضاه، ومتى كان كذلك فإن الإنسان لا يسمعه لنبو سمعه عنه، فثبت بما ذكرنا أن هذه الكلمة محتملة للذم والمدح، فكانوا يذكرونها لغرض الشتم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٥﴾