قوله تعالى ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا واسمع وانظرنا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ﴾
قال الفخر :
والمعنى أنهم لو قالوا بدل قولهم : سمعنا وعصينا، سمعنا وأطعنا لعلمهم بصدقك ولإظهارك الدلائل والبينات مرات بعد مرات، وبدل قولهم :﴿واسمع غَيْرَ مُسْمَعٍ﴾ قولهم واسمع، وبدل قولهم :﴿راعنا﴾ قولهم :﴿انظرنا﴾ أي اسمع منا ما نقول، وانظرنا حتى نتفهم عنك لكان خيرا لهم عند الله وأقوم، أي أعدل وأصوب، ومنه يقال : رمح قويم أي مستقيم ؛ وقومت الشيء من عوج فتقوم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٦﴾
سؤال : فإن قيل : قولنا هذا خير من ذلك يقتضى أن يكون فى كل واحد منهما خير حتى يصح تفضيل أحدهما على الآخر لأن "خيرا" فى الأصل : أفعل تفضيل فكيف قال ﴿لكان خيرا لهم وأقوم﴾ بعد ما سبق من قولهم فى أول الآية ؟
قلنا : المراد بالخير هنا هو الخير الذى هو ضد الشر لا الذى هو أفعل التفضيل كما تقول : فى فلان خير. أ هـ ﴿تفسير الرازى صـ ٨٤﴾
قوله تعالى ﴿وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾
قال الفخر :
﴿وَلَكِن لَّعَنَهُمُ الله بِكُفْرِهِمْ﴾ والمراد أنه تعالى إنما لعنهم بسبب كفرهم.
ثم قال :﴿فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ وفيه قولان :
أحدهما : أن القليل صفة للقوم، والمعنى فلا يؤمن منهم إلا أقوام قليلون.
ثم منهم من قال : كان ذلك القليل عبد الله بن سلام وأصحابه، وقيل : هم الذين علم الله منهم أنهم يؤمنون بعد ذلك.
والقول الثاني : أن القليل صفة للإيمان، والتقدير فلا يؤمنون إلا إيمانا قليلا، فإنهم كانوا يؤمنون بالله والتوراة وموسى ولكنهم كانوا يكفرون بسائر الأنبياء، ورجح أبو علي الفارسي هذا القول على الأول، قال : لأن "قليلا" لفظ مفرد، ولو أريد به ناس لجمع نحو قوله :﴿إِنَّ هؤلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ﴾ [ الشعراء : ٥٤ ] ويمكن أن يجاب عنه بأنه قد جاء فعيل مفردا، والمراد به الجمع قال تعالى :﴿وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً﴾ [ النساء : ٦٩ ] وقال :﴿وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ﴾ [ المعارج : ١٠، ١١ ] فدل عود الذكر مجموعا إلى القبيلين على أنه أريد بهما الكثرة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ٩٦ ـ ٩٧﴾


الصفحة التالية
Icon