فائدة
قال أبو حيان :
﴿ فلا يؤمنون إلا قليلاً ﴾ استثناء من ضمير المفعول في لعنهم أي : إلا قليلاً لم يلعنهم فآمنوا، أو استثناء من الفاعل في : فلا يؤمنون، أي : إلا قليلاً فآمنوا كعبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، وغيرهما.
أو هو راجع إلى المصدر المفهوم من قوله : فلا يؤمنون أي : إلا إيماناً قليلاً قلله إذ آمنوا بالتوحيد، وكفروا بمحمد ﷺ وبشرائعه.
وقال الزمخشري : إلا إيماناً قليلاً أي : ضعيفاً ركيكاً لا يعبأ به، وهو إيمانهم بمن خلقهم مع كفرهم بغيره.
وأراد بالقلة العدم كقوله : قليل التشكي للهموم تصيبه.
أي عديم التشكي.
وقال ابن عطية : من عبر بالقلة عن الإيمان قال : هي عبارة عن عدمه ما حكى سيبويه من قولهم : أرض قلما تنبت كذا، وهي لا تنبته جملة.
وهذا الذي ذكره الزمخشري وابن عطية من أن التقليل يراد به العدم هو صحيح في نفسه، لكن ليس هذا التركيب الاستثنائي من تراكيبه.
فإذا قلت : لا أقوم إلا قليلاً، لم يوضع هذا لانتقاء القيام ألبتة، بل هذا يدل على انتفاء القيام منك إلا قليلاً فيوجد منك.
وإذا قلت : قلما يقوم أحد إلا زيد، وأقل رجل يقول ذلك احتمل هذا، أن يراد به التقليل المقابل للتكثير، واحتمل أن يراد به النفي المحض.
وكأنك قلت : ما يقوم أحد إلا زيد، وما رجل يقول ذلك.
إمّا أن تنفي ثم توجب ويصير الإيجاب بعد النفي يدل على النفي، فلا إذ تكون إلا وما بعدها على هذا التقدير، جيء بها لغواً لا فائدة فيه، إذ الانتفاء قد فهم من قولك : لا أقوم.
فأيُّ فائدة في استثناء مثبت يراد به الانتفاء المفهوم من الجملة السابقة، وأيضاً، فإنه يؤدي إلى أن يكون ما بعد إلا موافقاً لما قبلها في المعنى.