أحدها : أن يكُون " من الذين " خبر مُقدم، و" يحرفون " جُمْلَة في محلِّ رفع صِفَة لموصُوف مَحْذوف هو مُبْتَدأ، تقديره : مِنَ الذين هَادُوا قومٌ يُحَرِّفون، وحَذْف الموْصُوف بَعْد " مِنَ " التَّبِعِيضيَّة جَائِزٌ، وإنْ كانت الصِّفَة فِعْلاً ؛ كقولهم " مّنَّا ظَعَنَ، ومَنَّا أقَامَ "، أي : فريقٌ أقام، وهذا مَذْهَب سيبويه والفارسِي ؛ ومثله :[ الطويل ]
وَمَا الدَّهْرُ إلا تارتانِ فَمِنْهُمَا... أمُوتُ وأخرى أبْتَغِي العَيْشَ أكدحُ
أي : فمنهما تَارةٌ أمُوت فِيها.
الثاني : قول الفرَّاء، وهو أن الجَارَّ والمجرور خَبَر مقدَّم أيضاً، ولكن المُبْتدأ المحذُوف يقدره مَوصولاً، تقديره :" من الذين هادوا من يحرفون "، ويكون قد حمل على المَعنى في " يحرفون " قال الفرَّاء : ومِثْله [ قول ذي الرِّمَّة ] [ الطويل ]
فَظَلُّوا وَمِنْهُمْ دَمْعُهُ سَابِقٌ لَهُ... وآخَرُ يَثْنِي دَمْعه العَيْنِ بِاليَدِ
قال : تقديره، ومنهم [ مَنْ ] دَمْعه سَابِقٌ لَهُ، والبَصْرِيُّون لا يُجَوِّزُونَ حذف الموصُولِ ؛ لأنه جُزْءُ كلمة، وهذا عِنْدَهم مؤولٌ على حَذْفِ موصوفٍ كما تَقَدَّمَ، وتأويلُهُم أولى لعطفِ النكرة عليه، وهو : آخر وأخْرَى في البَيْت قَبْلَه، فيكون في ذلك دلالةٌ على المَحْذُوفِ، والتقدير : فمنهم عَاشِقٌ سَابِقٌ دَمْعه لَهُ وآخَر.
الثالث : أن " من الذين " خَبَر مُبْتَدأ مَحْذُوف، أي :" هم الذين هادوا "، و" يحرفون " على هذا حَالٌ من ضمير " هادوا " وعلى هذه الأوْجُه الثَّلاثة يكون الكلام قم تَمَّ عند قوله :" نصيراً ".