قال الزمخشريّ : فإن قلت : كيف قيل ههنا :﴿ عَن مّوَاضِعِهِ ﴾ وفي المائدة :﴿ من بعض مواضعه ﴾ ؟ قلت : أما :﴿ عَن مّوَاضِعِهِ ﴾ فعلى ما فسرنا من إزالته عن موضعه التي أوجبت حكمة الله وضعه فيها، بما اقتضت شهواتهم من إبدال غير مكانه، وأما :﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ فالمعنى أنه كانت له مواضع، هو قَمِِنٌ بأن يكون فيها، فحين حرفوه تركوه كالغريب الذي لا موضع له بعد مواضعه ومقاره، والمعنيان متقاربان.
وقال الرازيّ : ذكر الله تعالى ههنا :﴿ عَن مّوَاضِعِهِ ﴾ وفي المائدة :﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ والفرق : إنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الفاسدة لتلك النصوص، وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب، وأما الآية المذكورة في سورة المائدة، فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين، فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضاً من الكتاب، فقوله :﴿ يُحَرّفُونَ الْكَلم ﴾ إشارة إلى التأويل الباطل، وقوله :﴿ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ﴾ إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.


الصفحة التالية
Icon