وقال الناصر في " الانتصاف " : الظاهر أن الكلم المحرف إنما أريد به، في هذه الصورة مثل :﴿ غَيْرَ مُسْمَعٍٍ ﴾ و :﴿ رَاعِنَا ﴾ ولم يقصد ههنا تبديل الأحكام، وتوسطها بين الكلمتين بين قوله :﴿ يُحَرّفُونَ ﴾ ويبين قوله :﴿ لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ ﴾ والمراد أيضاً تحريف مشاهد بين على أن المحرف هما وأمثالهما، وأما في سورة المائدة فالظاهر، والله أعلم، أن المراد فيها بـ :﴿ الْكَلم ﴾ الأحكام، وتحريفها وتبديلها، كتبديلهم الرجم بالجلد، ألا تراه عقبه بقوله :﴿ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لم تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ﴾ [ المائدة : من الآية ٤١ ] ؟ ولاختلاف المراد بالكلم في السورتين، قيل في سورة المائدة : يحرفون الكلم من بعد مواضعه، أي : ينقلونه عن الموضع الذي وضعه الله فيه، فصار وطنه ومستقره، إلى غير الموضع، فبقي كالغريب المتأسف عليه الذي يقال فيه هذا غريب من بعد مواضعه ومقارّه، ولا يوجد هذا المعنى في مثل :﴿ رَاعِنَا ﴾ و :﴿ غَيْرَ مُسْمَعٍٍ ﴾ وإن وجد على بعد فليس الوضع اللغوي مما يعبأ بانتقاله عن موضعه كالوضع الشرعي، ولولا اشتمال هذا النقل على الهزء والسخرية لما عظم أمره، فلذلك جاء هنا :﴿ يُحَرّفُونَ الْكَلم عَن مّوَاضِعِهِ ﴾ غير مقرون ما قرن به الأول من صورة التأسف، والله أعلم. انتهى.