وقال العلامة أبو السعود : والمراد بالتحريف ههنا، إما ما في التوراة خاصة وإما ما هو أعم منه، ومما سيحكى عنهم من الكلمات المعهودة الصادرة عنهم في أثناء المجاورة مع رسول الله صَلّى اللهُ عليّه وسلّم، ولا مساغ لإرادة تلك الكلمات خاصة بأن يجعل عطف قوله تعالى :﴿ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ وما بعده، على ما قبله عطفاً تفسيرياً، لأنه يستدعي اختصاص حكم الشرطية الآتية وما بعدها بهن من غير تعرض لتحريفهم التوراة، مع أنه معظم جناياتهم المعدودة فقولهم :﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ ينبغي أن يجري على إطلاقه من غير تقييد بزمان أو مكان ولا تخصيص بمادة دون مادة، بل وأن يحمل على ما هو أعم من القول الحقيقي ومما يترجم عنه عنادهم ومكابرتهم، أي : يقول في كل أمر مخالف لأهوائهم الفاسدة سواء كان بمحضر النبي صَلّى اللهُ عليّه وسلّم أو لا، بلسان المقال أو الحال :﴿ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ﴾ عناداً أو تحقيقاً للمخالفة. انتهى.
قال ابن كثير : وَيَقُولُونَ :﴿ سَمِعْنَا ﴾ أي : سَمِعْنَا مَا قُلْته يَا مُحَمَّد وَلَا نُطِيعك فِيهِ، هَكَذَا فَسَّرَهُ مُجَاهِد وَابْن زَيْد وَهُوَ الْمُرَاد، وَهَذَا أَبْلَغ فِي كُفْرهمْ وَعِنَادهمْ وَأَنَّهُمْ يَتَوَلَّوْنَ عَنْ كِتَاب اللَّه بَعْدَمَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَا عَلَيْهِمْ فِي ذَلِكَ مِنْ الْإِثْم وَالْعُقُوبَة.


الصفحة التالية
Icon