وغيرهما فلم ينتفع الحاسد ولم يتضرر المحسود، وأن يراد أن حسدهم هذا في غاية القبح والبطلان فإنا قد آتينا من قبل أسلاف هذا النبي المحسود ﷺ وأبناء عمه ما آتيناهم فكيف يستبعدون نبوته عليه الصلاة والسلام ويحسدونه على إيتائها وتكرير الإيتاء لما يقتضيه مقام التفصيل مع الإشعار بما بين الملك وما قبله من المغايرة، والمراد من الإيتاء إما الإيتاء بالذات وإما ما هو أعم منه ومن الإيتاء بالواسطة، وعلى الأول : فالمراد من آل إبراهيم أنبياء ذريته، ومن الضمير الراجع إليهم من ﴿ ءاتيناهم ﴾ بعضهم، فعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما الملك في آل إبراهيم ملك يوسف وداود وسليمان عليهم السلام، وخصه السدي بما أحل لداود.
وسليمان من النساء فقد كان للأول تسع وتسعون امرأة ولولده ثلثمائة امرأة ومثلها سرية" وعن محمد بن كعب قال :"بلغني أنه كان لسليمان عليه السلام ثلثمائة امرأة وسبعمائة سرية"، وعلى الثاني : فالمراد بهم ذريته كلها فإن تشريف البعض بما ذكر تشريف ( للكل لاغتنامهم بآثار ذلك واقتباسهم من أنوار ).
ومن الناس من فسر الحكمة بالعلم والملك العظيم بالنبوة، ونسب ذلك إلى الحسن ومجاهد، ولا يخفى أن إطلاق الملك العظيم على النبوة في غاية البعد والحمل على المتبادر أولى. (١) أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٥ صـ ٥٧ ـ ٥٨﴾
ومن فوائد ابن عاشور فى الآية
قال رحمه الله :
والاستفهام المقدّر بعد ( أم ) هذه إنكار على حسدهم، وليس مفيداً لنفي الحسد لأنّه واقع.

_____
(١) لا وجه لهذا الاستبعاد وقوله تعالى بعد هذه الآية ﴿فَمِنْهُمْ مَنْ آَمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ﴾ يرجح أن المراد من الملك العظيم النبوة، ولأن مُلْكَ الدنيا وإن عظم تابع لمُلْكِ النبوة، كاتباع النجاشى لرسول الله ـ ﷺ ـ ومُلْكُ الدنيا خادم لمُلْكِ النبوة، كما ورد فى قول هرقل ـ ملك الروم ـ فى حق رسول الله ـ ﷺ ـ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمِهِ. والله أعلم.


الصفحة التالية
Icon