هب أن إنساناً من غايته أن يخرج من أسوان إلى القاهرة، إذن فالقاهرة هي الغاية. ثم جاء واحد وقال له : سنذهب سيراً على الأقدام، وقال الآخر : أنا سآتي بمطايا حسنة نركبها. وقال ثالث : سآتي بعربة، وقال رابع : سنسافر بطائرة وقال خامس. سنسافر بصاروخ، إذن فكل وسيلة تقرب من الغاية تكون محمودة، وما دامت غايتنا أن نعود إلى الحق فلماذا نحزن عندما يموت واحد منا ؟ أنت - إذن - تحزن على نفسك ولا تحزن على من مات، إن الذي يموت بعد أن يرعى حق الله في الدنيا يكون مسروراً لأنه في حضانة الحق ومع المنعم، وأنت مع النعمة الموقوتة إنّه يسخر منك لأنك حزنت، ويقول : انظر إلى الساذج الغافل، كان يريدني أن أبقى مع الأسباب وأترك المسبب!
إننا نجد الذين يحزنون على أحبائهم لا يرونهم في المنام أبداً ؛ لأن الميت لا تأتي روحه لزيارة من حزن لأنه ذهب إلى المنعم، وعلى الناس أن تدرك الغاية من الوجود بأن تكون مع أسباب الحق في الدنيا ثم تصير مع الحق، والموت هو النقلة التي تنقلك من الأسباب إلى المسبب، فما الذي يحزنك في هذا ؟
نحن نقصِّر عليك المسافة.
. فبدلاً من أن تقابلك عقبات الطريق، وقد تنجح أو لا تنجح، وبعضهم يقول : مات وهو صغير ولم ير الدنيا، نقول لهم : وهل هذه تكون خيراً له أو لا ؟ أنت مثلاً كبرت وقد تكون مقترفاً للمعاصي ؛ فلعل الله أخذ الصغير حتى لا يعرضه للتجربة، ضع المسألة أمامك واجعلها حقيقة.
" عن الحارث بن مالك الأنصاري أنه مرّ برسول الله ﷺ فقال له : كيف أصبحت يا حارث ؟ فقال : أصبحت مؤمنا حقا. قال :" انظر ما تقول ؛ فإن لكل شيء حقيقة فما حقيقة إيمانك ؟ فقال : عزفت نفسي عن الدنيا فأسهرت ليلى، وأظمأت نهاري وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزا، وكأني انظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغوْن فيها فقال :" يا حارث عرفت فالزم، ثلاثا ".


الصفحة التالية
Icon