وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ الضمير في "يُظْلَمُونَ" عائد على المذكورين ممن زكَّى نفسه وممن يزكيه الله عز وجل.
وغيرُ هذين الصنفين عُلِم أن الله تعالى لا يظلمه من غير هذه الآية.
والفَتِيل الخيط الذي في شَقّ نواة التمرة ؛ قاله ابن عباس وعطاء ومجاهد.
وقيل : القشرة التي حول النواة بينها وبين البُسْرة.
وقال ابن عباس أيضاً وأبو مالك والسُّدِّي : هو ما يخرج بين أصبعيك أو كفّيك من الوسخ إذا فتلتهما ؛ فهو فعِيل بمعنى مفعول.
وهذا كله يرجع إلى كناية عن تحقير الشيء وتصغيره، وأن الله لا يظلمه شيئاً.
ومثل هذا في التحقير قوله تعالى :﴿ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً ﴾ [ النساء : ١٢٤ ] وهو النكتة التي في ظهر النّواة، ومنه تنبت النخلة، وسيأتي.
قال الشاعر يذمّ بعض الملوك :
تَجمعُ الجيْشَ ذا الأُلوف وتغْزُو...
ثم لا تَرْزأ العدوّ فَتيلا. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٥ صـ ٢٤٨﴾.
وقال أبو حيان :
﴿ ولا يظلمون فتيلاً ﴾ إشارة إلى أقلّ شيء كقوله :﴿ إن الله لا يظلم مثقال ذرة ﴾ فإذا كان تعالى لا يظلم مقدار فتيل، فكيف يظلم ما هو أكبر منه ؟ وجوزوا أن يعود الضمير في : ولا يظلمون، إلى الذين يزكون أنفسهم، وأن يعود إلى من على المعنى، إذ لو عاد على اللفظ لكان : ولا يظلم وهو أظهر، لأنه أقرب مذكور، ولقطع بل ما بعدها عن ما قبلها.
وقيل : يعود على المذكورين من زكى نفسه، ومن يزكيه الله.
ولم يذكر ابن عطية غير هذا القول.
وقال الزمخشري : ولا يظلمون أي، الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم أنفسهم حق جزائهم، أو من يشاء يثابون ولا ينقصون من ثوابهم ونحوه، فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى انتهى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٣ صـ ٢٨١ ـ ٢٨٢﴾