الأول : أن يجعل النضج غير النضيج، فالذات واحدة والمتبدل هو الصفة، فإذا كانت الذات واحدة كان العذاب لم يصل إلا إلى العاصي، وعلى هذا التقدير المراد بالغيرية التغاير في الصفة.
الثاني : المعذب هو الإنسان، وذلك الجلد ما كان جزأ من ماهية الإنسان، بل كان كالشيء الملتصق به الزائد على ذاته، فإذا جدد الله الجلد وصار ذلك الجلد الجديد سببا لوصول العذاب إليه لم يكن ذلك تعذيبا إلا للعاصي.
الثالث : أن المراد بالجلود السرابيل، قال تعالى :﴿سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ﴾ [ إبراهيم : ٥٠ ] فتجديد الجلود إنما هو تجديد السرابيلات.
طعن القاضي فيه، فقال : إنه ترك للظاهر، وأيضا السرابيل من القطران لا توصف بالنضج، وإنما توصف بالاحتراق.
الرابع : يمكن أن يقال : هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع، كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام : كلما انتهى فقد ابتدأ، وكلما وصل إلى آخره فقد ابتدأ من أوله، فكذا قوله :﴿كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا﴾ يعني كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك أعطيناهم قوة جديدة من الحياة بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا، فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه.
الخامس : قال السدي : إنه تعالى يبدل الجلود من لحم الكافر فيخرج من لحمه جلدا آخر وهذا بعيد، لأن لحمه متناه، فلا بد وأن ينفد، وعند نفاد لحمه لا بد من طريق آخر في تبديل الجلد، ولم يكن ذلك الطريق مذكورا أولا والله أعلم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٨ ـ ١٠٩﴾
فصل
قال القرطبى :
﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ﴾ يقال : نضِج الشيء نُضجاً ونَضْجاً، وفلان نضيج الرأي مُحْكمه.
والمعنى في الآية : تبدّل الجلود جلوداً أُخر.