وقال الآلوسى :
﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ ﴾ أي احترقت وتهرت وتلاشت، من نضج الثمر واللحم نضجاً ونضجاً إذا أدرك، و﴿ كُلَّمَا ﴾ ظرف زمان والعامل فيه ﴿ بدلناهم جُلُوداً غَيْرَهَا ﴾ أي أعطيناهم مكان كل جلد محترق عند احتراقه جلداً جديداً مغايراً للمحترق صورة وإن كانت مادته الأصلية موجودة بأن يزال عنه الإحراق فلا يرد أن الجلد الثاني لم يعص فكيف يعذب ؟ وذلك لأنه هو العاصي باعتبار أصله فإنه لم يبدل إلا صفته، وعندي أن هذا السؤال مما لا يكاد يسأله عاقل فضلاً عن فاضل، وذلك لأن عصيان الجلد وطاعته وتألمه وتلذذه غير معقول لأنه من حيث ذاته لا فرق بينه وبين سائر الجمادات من جهة عدم الإدراك والشعور وهو أشبه الأشياء بالآلة فَيَدُ قاتل النفس ظلماً مثلاً آلة له كالسيف الذي قتل به ولا فرق بينهما إلا بأن اليد حاملة للروح، والسيف ليس كذلك، وهذا لا يصلح وحده سبباً لإعادة اليد بذاتها وإحراقها دون إعادة السيف وإحراقه لأن ذلك الحمل غير اختياري، فالحق أن العذاب على النفس الحساسة بأي بدن حلت وفي أي جلد كانت وكذا يقال في النعيم، ويؤيد هذا أن من أهل النار من يملأ زاوية من زوايا جهنم وأن سن الجهنمي كجبل أحد، وأن أهل الجنة يدخلونها على طول آدم عليه السلام ستين ذراعاً في عرض سبعة أذرع، ولا شك أن الفريقين لم يباشروا الشر والخير بتلك الأجسام بل من أنصف رأى أن أجزاء الأبدان في الدنيا لا تبقى على كميتها كهولة وشيوخة وكون الماهية واحدة لا يفيد لأنا لم ندع فيما نحن فيه أن الجلد الثاني يغاير الأول كمغايرة العرض للجوهر أو الإنسان للحجر بل كمغايرة زيد المطيع لعمرو العاصي مثلاً على أنه لو قيل : إن الكافر يعذب أولاً : ببدن من حديد تحله الروح، وثانياً : ببدن من غيره كذلك لم يسغ لأحد أن يقول : إن الحديد لم يعص فكيف أحرق
بالنار ولولا ما علم من الدين بالضرورة من المعاد الجسماني بحيث صار إنكاره كفراً لم يبعد عقلاً القول بالنعيم والعذاب الروحانيين فقط.