واعلم أنه تعالى لما بين أن كثرة نعم الله عليه صارت سببا لحسد هؤلاء اليهود بين ما يدفع ذلك فقال :﴿فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ [ النساء : ٥٤ ] والمعنى أنه حصل في أولاد ابراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك، وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونه، فلم تتعجبون من حال محمد ولم تحسدونه ؟
واعلم أن ﴿الكتاب﴾ إشارة إلى ظواهر الشريعة ﴿والحكمة﴾ إشارة إلى أسرار الحقيقة، وذلك هو كمال العلم، وأما الملك العظيم فهو كمال القدرة.
وقد ثبت أن الكمالات الحقيقية ليست إلا العلم والقدرة، فهذا الكلام تنبيه على أنه سبحانه آتاهم أقصى ما يليق بالإنسان من الكمالات، ولما لم يكن ذلك مستبعدا فيهم لا يكون مستبعدا في حق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل : إنهم لما استكثروا نساءه قيل لهم : كيف استكثرتهم له التسع، وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلثمائة بالمهر وسبعمائة سرية ؟. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٠٧﴾
قال الطبرى :
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب، قولُ قتادة وابن جريج الذي ذكرناه قبل : أن معنى"الفضل" في هذا الموضع : النبوّة التي فضل الله بها محمدًا، وشرّف بها العرب، إذ آتاها رجلا منهم دون غيرهم لما ذكرنا من أن دلالة ظاهر هذه الآية، تدلّ على أنها تقريظٌ للنبي ﷺ وأصحابه رحمة الله عليهم، على ما قد بينا قبل. وليس النكاح وتزويجُ النساء وإن كان من فضْل الله جل ثناؤهُ الذي آتاه عباده بتقريظ لهم ومدح. أ هـ ﴿تفسير الطبرى حـ ٨ صـ ٤٧٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ فَقَدْ آتَيْنَآ ﴾ أخبر تعالى أنه آتى آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتاهم ملكا عظيماً.
قال همام بن الحارث : أُيِّدوا بالملائكة.
وقيل : يعني ملك سليمان ؛ عن ابن عباس.


الصفحة التالية
Icon