الحجة الثالثة : أن الخلفاء الراشدين واظبوا على قراءتها طول عمرهم، ويدل عليه أيضاً ما روى في الصحيحين أن النبي ﷺ وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، وإذا ثبت هذا وجب أن يجب علينا ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام :" عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي " ولقوله عليه الصلاة والسلام :" اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر " والعجب من أبي حنيفة رضي الله عنه أنه تمسك في مسألة طلاق الفار بأثر عثمان مع أن عبد الرحمن وعبد الله بن الزبير كانا يخالفانه ونص القرآن أيضاً يوجب عدم الإرث، فلم لم يتمسك بعمل كل الصحابة على سبيل الأطباق والاتفاق على وجوب قراءة الفاتحة مع أن هذا القول على وفق القرآن والأخبار والمعقول ؟.
الحجة الرابعة : أن الأمة وإن اختلفت في أنه هل تجب قراءة الفاتحة أم لا لكنهم اتفقوا عليه في العمل، فإنك لا ترى أحداً من المسلمين في المشرق والمغرب إلا ويقرأ الفاتحة في الصلاة، إذا ثبت هذا فنقول : إن من صلى ولم يقرأ الفاتحة كان تاركاً سبيل المؤمنين فيدخل تحت قوله :﴿وَمَن يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ المؤمنين نُوَلّهِ مَا تولى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً﴾
[ النساء : ١١٥ ] فإن قالوا إن الذين اعتقدوا أنه لا يجب قراءتها قرءوها لا على اعتقاد الوجوب، بل على اعتقاد الندبية فلم يحصل الإجماع على وجوب قراءتها، فنقول : أعمال الجوارح غير أعمال القلوب، ونحن قد بينا إطباق الكل على الإتيان بالقراءة، فمن لم يأتِ بالقراءة كان تاركاً طريقة المؤمنين في هذا العمل، فدخل تحت الوعيد، وهذا القدر يكفينا في الدليل، ولا حاجة بنا في تقرير هذا الدليل إلى ادعاء الإجماع في اعتقاد الوجوب.


الصفحة التالية
Icon