الحجة السابعة عشرة : قد بينا أنه ثبت بالتواتر أن الله تعالى كان ينزل هذه الكلمة على محمد عليه الصلاة والسلام وكان يأمر بكتبه بخط المصحف، وبينا أن حاصل الخلاف في أنه هل هو من القرآن فرجع إلى أحكام مخصوصة مثل أنه هل يجب قراءته، وهل يجوز للجنب قراءته، وللمحدث مسه ؟ فنقول : ثبوت هذه الأحكام أحوط فوجب المصير إليه، لقوله عليه الصلاة والسلام : دع ما يريبك إلا ما لا يريبك.
واحتج المخالف بأشياء : الأول : تعلقوا بخبر أبي هريرة، وهو أن النبي ﷺ قال : يقول الله تعالى : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد الحمد لله رب العالمين يقول الله تعالى حمدني عبدي، وإذا قال الرحمن الرحيم يقول الله تعالى أثنى علي عبدي وإذا قال مالك يوم الدين يقول الله تعالى مجدني عبدي، وإذا قال إياك نعبد وإياك نستعين يقول الله تعالى هذا بيني وبين عبدي والاستدلال بهذا الخبر من وجهين : الأول : أنه عليه الصلاة والسلام لم يذكر التسمية، ولو كانت آية من الفاتحة لذكرها، والثاني : أنه تعالى قال : جعلت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، والمراد من الصلاة الفاتحة ؛ وهذا التنصيف إنما يحصل إذا قلنا إن التسمية ليست آية من الفاتحة، لأن الفاتحة سبع آيات فيجب أن يكون فيها لله ثلاث آيات ونصف وهي من قوله الحمد لله إلى قوله إياك نعبد وللعبد ثلاث آيات ونصف وهي من قوله وإياك نستعين إلى آخر السورة أما إذا جعلنا بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة حصل لله أربع آيات ونصف، وللعبد آيتان ونصف، وذلك يبطل التنصيف المذكور.
الحجة الثانية : روت عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي ﷺ كان يفتتح الصلاة بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين، وهذا يدل على أن التسمية ليست آية من الفاتحة.