والثاني : أنها مستأنفة نازلة في قصة أخرى، وهو ما روي عن عروة بن الزبير أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في ماء يسقى به النخل، فقال ﷺ للزبير :" اسق أرضك ثم أرسل الماء إلى أرض جارك " فقال الأنصاري : لأجل أنه ابن عمتك، فتلون وجه رسول الله ﷺ ثم قال للزبير :" اسق ثم احبس الماء حتى يبلغ الجدر ".
واعلم أن الحكم في هذا أن من كانت أرضه أقرب إلى فم الوادي فهو أولى بأول الماء وحقه تمام السقي، فالرسول ﷺ أذن للزبير في السقي على وجه المسامحة، فلما أساء خصمه الأدب ولم يعرف حق ما أمر به الرسول ﷺ من المسامحة لاجله أمره النبي عليه الصلاة والسلام باستيفاء حقه على سبيل التمام، وحمل خصمه على مر الحق. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٣١﴾
ورجح القرطبى القول الثانى فقال :
الحديث ثابت صحيح رواه البخاريّ عن عليّ بن عبد الله عن محمد بن جعفر عن مَعْمَر، ورواه مسلم عن قُتَيبة كلاهما عن الزهريّ.
واختلف أهل هذا القول في الرجل الأنصاري ؛ فقال بعضهم : هو رجل من الأنصار من أهل بدر.
وقال مكي والنحاس : هو حاطب بن أبي بَلْتَعة.
وقال الثعلبيّ والواحديّ والمهدوِيّ : هو حاطِب.
وقيل : ثعلبة بن حاطب.
وقيل غيره : والصحيح القول الأوّل ؛ لأنه غير معيّن ولا مسمى ؛ وكذا في البخاريّ ومسلم أنه رجل من الأنصار.
واختار الطّبريّ أن يكون نزول الآية في المنافق واليهودي.
كما قال مجاهد ؛ ثم تتناول بعمومها قصّة الزّبير.
قال ابن العربي : وهو الصحيح ؛ فكل من اتهم رسول الله ﷺ في الحكم فهو كافر، لكن الأنصاريّ زلّ زلّة فأعرض عنه النبيّ ﷺ وأقال عثرته لعلمه بصحة يقينه، وأنها كانت فَلْتَة وليست لأحد بعد النبيّ صلى الله عليه وسلم.


الصفحة التالية
Icon