ولا ريب في أن التقدير : ولكنا لم نكتب عليهم فليشكروا لنا ويستمسكوا بهذه الحنيفية السمحة.
ولما كان مبنى السورة على الائتلاف وكان السياق للاستعطاف، قال مرغباً :﴿ولو أنهم﴾ أي هؤلاء المنافقين ﴿فعلوا ما يوعظون﴾ أي يجدد لهم الوعظ في كل حين ﴿به لكان﴾ أي فعلهم ذلك ﴿خيراً لهم﴾ أي مما اختاروه لأنفسهم ﴿وأشد تثبيتاً﴾ أي مما ثبتوا به أنفسهم بالأيمان الحانثة ﴿وإذاً لآتيناهم﴾ أي وإذا فعلوا ما يوعظون به آتيناهم بما لنا من العظمة إيتاء مؤكداً لا مرية فيه.
وأشار بقوله :﴿من لدنا﴾ إلى أنه من غرائب ما عنده من خوارق خوارق العادات ونواقض نواقض المطردات ﴿أجراً عظيماً ولهديناهم﴾ أي بما لنا من العظمة ﴿صراطاً مستقيماً﴾ أي يوصلهم إلى مرادهم، وقد عظم سبحانه وتعالى هذا الأجر ترغيباً في الطاعة أنواعاً من العظمة منها التنبيه ب " إذا "، والإتيان بصيغة العظمة و " لدن " مع العظمة والوصف بالعظيم. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٢ صـ ٢٧٥ ـ ٢٧٦﴾
وقال الفخر :
اعلم أن هذه الآية متصلة بما تقدم من أمر المنافقين وترغيبهم في الإخلاص وترك النفاق، والمعنى أنا لو شددنا التكليف على الناس، نحو أن نأمرهم بالقتل والخروج عن الأوطان لصعب ذلك عليهم ولما فعله إلا الأقلون، وحينئذ يظهر كفرهم وعنادهم، فلما لم نفعل ذلك رحمة منا على عبادنا بل اكتفينا بتكليفهم في الأمور السهلة، فليقبلوها بالإخلاص وليتركوا التمرد والعناد حتى ينالوا خير الدارين. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٣٣﴾
وقال ابن عاشور :
لم يظهر وجه اتّصاله بما قبله ليعطف عليه، لأنّ ما ذكر هنا ليس أولى بالحكم من المذكور قبله، أي ليس أولى بالامتثال حتّى يقال : لو أنّا كلّفناهم بالرضا بما هو دون قطع الحقوق لما رضوا، بل المفروض هنا أشدّ على النفوس ممّا عصوا فيه.