فقال جماعة من المفسّرين : وجه اتّصالها أنّ المنافق لمّا لم يرض بحكم النبي ﷺ وأراد التحاكم إلى الطاغوت، وقالت اليهود : ما أسخف هؤلاء يؤمنون بمحمّد ثم لا يرضون بحكمه، ونحن قد أمَرنَا نبيئُنا بقتل أنفسنا ففعلنْا وبلغت القتلى منّا سبعين ألفاً ؛ فقال ثابت بن قيس بن شماس : لو كتب ذلك علينا لفعلنا، فنزلت هذه الآية تصديقاً لثابت بن قيس، ولا يخفى بعده عن السياق لأنّه لو كان كذلك لما قيل ﴿ ما فعلوه إلاّ قليل منهم ﴾ بل قيل : لفعله فريق منهم.
وقال الفخر : هي توبيخ للمنافقين، أي لو شدّدنا عليهم التكليف لما كان من العجب ظهور عنادهم، ولكنّا رحمناهم بتكليفهم اليسر فليْتركوا العناد.
وهي على هذا الوجه تصلح لأن تكون تحريضاً للمؤمنين على امتثال الرسول وانتفاء الحرج عنهم من أحكامه، فإنّه لم يكلّفهم إلاّ اليسر، كلّ هذا محمول على أنّ المراد بقتل النفوس أن يقتل أحد نفسه بنفسه.
وعندي أنّ ذكر ذلك هنا من براعة المقطع تهيئة لانتقال الكلام إلى التحريض على الجهاد الآتي في قوله :﴿ يا أيّها الذين آمنوا خذوا حذركم ﴾ [ النساء : ٧١ ] وأنّ المراد بـ ﴿ اقتلوا أنفسكم ﴾ : ليقتل بعضكم بعضاً فإنّ المؤمنين يقاتلون قومهم وأقاربهم من المشركين في الجهاد المأمور به بدليل قوله :﴿ ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به ﴾ الآية. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٤ صـ ١٧٩ ـ ١٨٠﴾


الصفحة التالية
Icon