إنما كانت بعد الخروج منها وبعد انفلاق البحر وهذا مما لا امتراء فيه على أنا لا نسلم أنهم أمروا بالخروج استتابة في وقت من الأوقات، وحمل الذلة على الخروج من الديار لأن ذل الغربة مثل مضروب في قوله تعالى :
﴿ إِنَّ الذين اتخذوا العجل سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مّن رَّبّهِمْ وَذِلَّةٌ ﴾ [ الأعراف : ١٥٢ ] لا يفيد إذ الآية لا تدل على الأمر به والنزاع فيه على أن في كون هذه الآية في التائبين من عبادة العجل نزاعاً، وقد حقق بعض المحققين أنها في المصرين المستمرين على عبادته كما ستعلمه إن شاء الله تعالى ؛ والعجب من صاحب "الكشف" كيف لم يتعقب كلام صاحب "الكشاف" بأكثر من أنه ليس منصوصاً في القرآن، ثم نقل كلامه في الآية.
هذا والكلام في ﴿ لَوْ ﴾ هنا أشهر من نار على علم، وحقها كما قالوا : أن يليها فعل، ومن هنا قال الطبرسي :"التقدير لو وقع كتبنا عليهم"، وقال الزجاج : إنها وإن كان حقها ذلك إلا أن إن الشديدة تقع بعدها لأنها تنوب عن الاسم والخبر فنقول ظننت أنك عالم كما تقول : ظننتك عالماً أي ظننت علمك ثابتاً فهي هنا نائبة عن الفعل والاسم كما أنها هناك نائبة عن الاسم والخبر، وضمير الجمع في ﴿ عَلَيْهِمْ ﴾ وما بعده قيل : للمنافقين ونسب إلى ابن عباس ومجاهد، واعترض بأن فعل القليل منهم غير متصور إذ هم المنافقون الذين لا تطيب أنفسهم بما دون القتل بمراتب، وكل شيء دون المنية سهل، فكيف تطيب بالقتل ويمتثلون الأمر به ؟ وأجيب بأن المراد لو كتبنا على المنافقين ذلك ما فعله إلا قليل منهم رياءاً وسمعة وحينئذٍ يصعب الأمر عليهم وينكشف كفرهم، فإذ لم نفعل بهم ذلك بل كلفناهم الأشياء السهلة فليتركوا النفاق وليلزموا الإخلاص، ونسب ذلك للبلخي.
ولا يخفى أن قوله ﷺ في عبد الله بن رواحة :


الصفحة التالية
Icon