له " والأمانة مصدر سمي به المفعول ولذلك جمع. ثم لما أمر بأداء ما وجب لغيرك عليك أمر باستيفاء حقوق الناس بعضهم من بعض إذا كنت بصدد الحكم فقال :﴿ وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ﴾ وفي قوله :﴿ وإذا حكمتم ﴾ تصريح بأنه ليس لجميع الناس أن يشرعوا في الحكم والقضاء. وقد عدّ العلماء من شروط النيابة العامة : الإسلام والعقل والبلوغ والذكورة والحرية والعدالة والكفاية وأهلية الاجتهاد بأن يعرف ما يتعلق بالأحكام من كتاب الله وسنة رسوله. ويعرف منهما العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين والناسخ والمنسوخ، ومن السنة المتواتر والآحاد والمسند والمرسل وحال الرواة، ويعرف أقاويل الصحابة ومن بعدهم إجماعاً وخلافاً، وجلي القياس وخفية وصحيحه وفاسده، ويعرف لسان العرب لغة وإعراباً خصوصاً وعموماً إلى غير ذلك مما له مدخل في استنباط الأحكام الشرعية من مداركها ومظانها.
وكفى بما في هذا المنصب من الخطر أنه منصب رسول الله ﷺ والخلفاء الراشدين من بعده، فعلى المتصدي لذلك أن يتأدب بآدابهم ويتخلق بأخلاقهم وإلا فالويل له. عن النبي ﷺ قال :" يجاء بالقاضي العادل يوم القيامة فيلقى من شدة الحساب ما يتمنى أنه لم يقض بين اثنين قط " وإذا كان حال العادل هكذا فما ظنك بالجائر؟ وعنه " ينادي مناد يوم القيامة أين الظلمة وأين أعوان الظلمة؟ فيجتمعون كلهم حتى من برى لهم قلماً أو لاق لهم دواة، فيجمعون ويلقون في النار " ﴿ إن الله نعماً يعظكم به ﴾ المخصوص بالمدح محذوف و " ما " موصولة أو مبهمة موصوفة والتقدير : نعم الذي أو نعم شيئاً يعظكم به ذلك المأمور من أداء الأمانات والحكم بالعدل ﴿ إنّ الله كان سميعاً بصيراً ﴾ يسمع كيف تحكمون ويبصر كيف تؤدون، وفيه أعظم أسباب الوعد للمطيع وأشد أصناف الوعيد للعاصي.


الصفحة التالية
Icon