ثم بينهم بقوله :﴿من النبيين﴾ أي الذين أنبأهم الله بدقائق الحكم، وأنبؤوا الناس بحلائل الكلم، بما لهم من طهارة الشيم والعلو والعظم ﴿والصديقين﴾ أي الذين صدقوا أول الناس ما أتاهم عن الله وصدقوا هم في أقوالهم وأفعالهم، فكانوا قدوة لمن بعدهم ﴿والشهداء﴾ أي الذين لم يغيبوا أصلاً عن حضرات القدس ومواطن الأنس طرفة عين، بل هم مع الناس بجسومهم ومع الله سبحانه وتعالى بحلومهم وعلومهم سواء شهدوا لدين الله بالحق، ولسواه بالبطلان بالحجة أو بالسيف، ثم قتلوا في سبيل الله ﴿والصالحين﴾ أي الذين لا يعتريهم في ظاهر ولا باطن بحول الله فساد أصلاً، وإلى هذا يشير كلام العارف الشيخ رسلان حيث قال : ما صلحت ما دامت فيك بقية لسواه، وقد تجتمع الصفات الأربع في شخص وقد لا تجتمع، وأبو بكر رضي الله تعالى عنه أحق الأمة بالصديقية وإن قلنا : إن علياً وزيداً رضي الله تعالى عنهما أسلما قبله، لأنه - لكبره وكونه لم يكن قبل الإسلام تابعاً للنبي ﷺ - كان قدوة لغيره، ولذلك كان سبباً لإسلام ناس كثير وأولئك كانوا سبباً لإسلام غيرهم، فكان له مثل أجر الكل، وكان فيه حين إسلامه قوة الجهاد في الله سبحانه وتعالى بالمدافعة عن النبي ﷺ - وغير ذلك من الأفعال الدالة على صدقه، ولملاحظة هذه الأمور كانت رتبتها تلي رتبة النبوة، ولرفع الواسطة بينهما وفق الله سبحانه وتعالى هذه الأمة التي اختارها بتولية الصديق رضي الله تعالى عنه بعد نبيهم ﷺ ودفنه إلى جانبه، ومن عظيم رتبتهم تنويه النبي ﷺ في آخر عمره بهم فقال :" مع الرفيق الأعلى " روى البخاري في التفسير عن عائشة رضي الله عنهما قالت : سمعت النبي ﷺ يقول " ما من نبي يمرض إلا خير بين الدنيا