قال : ومن عادة العرب عند التبشير والإنذار أن يقولوا : كيف أنت إذا كان كذا وكذا، ومثاله قوله تعالى :﴿فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ﴾ [ النساء : ٤١ ] وقوله :﴿فَكَيْفَ إِذَا جمعناهم لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ﴾ [ آل عمران : ٢٥ ] ثم أمره تعالى إذا كان منهم ذلك أن يعرض عنهم ويعظهم. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ١٠ صـ ١٢٦ ـ ١٢٧﴾

فصل


قال ابن عاشور :
﴿فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾
تفريع على قوله :﴿ وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول ﴾ [ النساء : ٦١ ] الآية، لأنّ الصدود عن ذلك يوجب غضب الله عليهم، فيوشك أن يصيبهم الله بمصيبة من غير فعل أحد، مثل انكشاف حالهم للمؤمنين فيعرفوا بالكفر فيصبحوا مهدّدين، أو مصيبة من أمر الله رسوله والمؤمنين بأن يظهروا لهم العداوة وأن يقتلوهم لنفاقهم فيجيئوا يعتذرون بأنّهم ما أرادوا بالتحاكم إلى أهل الطاغوت إلاّ قصد الإحسان إليهم وتأليفهم إلى الإيمان والتوفيق بينهم وبين المؤمنين.
وهذا وعيد لهم لأنّ ﴿ إذا ﴾ للمستقبل، فالفعلان بعدها : وهما ﴿ أصابتهم ﴾ و ﴿ جاؤوك ﴾ مستقبلان، وهو مثل قوله :"لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينّك بهم ثمّ لا يجاورونك فيها إلاّ قليلاً ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً".
و﴿ كَيْفَ ﴾ خبر مبتدأ محذوف معلوم من سياق الكلام : أي كيف حالهم حين تصيبهم مصيبة بسبب ما فعلوا فيجيئونك معتذرين.
والاستفهام مستعمل في التهويل، كما تقدّم القول فيه في قوله تعالى آنفاً :﴿ فكيف إذا جئنا من كلّ أمة بشهيد ﴾.
وتركيب "كيف بك" يقال إذا أريدت بشارة أو وعيد تعجيباً أو تهويلاً.


الصفحة التالية
Icon